الحمد لله.
يجوز الدعاء بالسقيا عقب الصلوات، وهي إحدى صور الاستسقاء المشروعة لدى جمهور الفقهاء.
قال الإمام مالك رحمه الله: " لا بأس بالاستسقاء بعد المغرب والصبح".
قال ابن رشد: "إنما يريد به الدعاء، لا البروز إلى المصلى؛ لأن السنة في ذلك لا تكون إلا في الضحى" انتهى من "التاج والإكليل" (2/594).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: " ويستسقي الإمام بغير صلاة، مثل أن يستسقي بصلاة، وبعد خطبته وصلاته، وخلف صلاته، وقد رأيت من يقيم مؤذنا، فيأمره بعد صلاة الصبح والمغرب أن يستسقي، ويحض الناس على الدعاء، فما كرهت من صنع ذلك" انتهى من "الأم" (1/ 283).
وقال ابن قدامة رحمه الله: " قال القاضي: الاستسقاء ثلاثة أضرب، أكملها الخروج والصلاة على ما وصفنا. ويليه: استسقاء الإمام يوم الجمعة على المنبر؛ لما روي، أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما، ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغثنا. فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، فقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ...
والثالث أن يدعُوا الله تعالى عقيب صلواتهم، وفي خلواتهم" انتهى من "المغني" (2/327).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد كانوا يستسقون على " ثلاثة أوجه " تارة يدعون عقب الصلوات. وتارة يخرجون إلى المصلى فيدعون من غير صلاة، وتارة يصلون ويدعون. والوجهان الأولان مشروعان باتفاق الأمة. والوجه الثالث مشروع عند الجمهور؛ كمالك والشافعي وأحمد، ولم يعرفه أبو حنيفة" انتهى من مجموع الفتاوى (27/ 154).
ولمعرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء مفصلا، وما ورد عنه في ذلك: ينظر "زاد المعاد" لابن القيم (1/574-583) ط عطاءات العلم.
وقد نقل صاحب "الهداية" عن أبي حنيفة رحمه الله قوله: "ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإن صلى الناس وحدانا: جاز، وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار".
وتعقب ابن الهمام رحمه الله قول ابن أبي العز: إن أبا حنيفة لم يبلغه الوجه الثالث، فلم يقل به.
وينظر: "التنبيه على مشكلات الهداية"، لابن أبي العز الحنفي (2/ 778)، "فتح القدير" لابن الهمام (2/91).
والحاصل:
أن الاستستقاء بمجرد الدعاء عقيب الصلوات مشروع عند الجمهور من أهل المذاهب الأربعة، وعند الظاهرية كذلك، كما في "المحلى" (3/ 309) لابن حزم.
ولا حرج في تكرار الدعاء ثلاثا، فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا أن يدعو ثلاثا، كما روى أحمد (3744)، وأبو داود (1524) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثًا، وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا " وصححه شعيب في تحقيق المسند، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
وإذا رغب الإمام الناس بعد الصلاة؛ فدعا كل واحد منهم في نفسه، أو دعا لهم، وأمنوا خلفه: فالأمر واسع، ولا يظهر فيه بأس، إن شاء الله.
وينظر: جواب السؤال رقم: (93757)، ورقم: (106523).
والله أعلم.