أنا اشتغل وظيفة ممرض، ومسؤول عن العناية بالمرضى، وإعطاهم الأدوية التي تأتي من صيدلية لهم، وفي يوم من الأيام كان هناك غلط في وصفه الدواء ـ جرعة ضعف المطلوب ـ ، الدواء كان مدّرا للبول، ولم انتبه لها، وأعطيته المريض، ومن ثم بعد التركيز عند إدخال كمية الدواء في الكمبيوتر انتبهت أني أعطيته ضعف الكمية، وفي اليوم التالي توفي المريض، ولا أعلم ما كان السبب، هل كان من الدواء، ما حكم ذلك؟
الحمد لله.
أولا:
المشتغل بالطب – سواء كان طبيبا أم ممرضا أم صيدليا – إذا أخطأ في وصفة الدواء ، أو في الجرعة التي يأخذها المريض ، فإنه يضمن ما ترتب على هذا الخطأ .
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (114047 ) بيان الحالات التي يضمن فيها الطبيب .
ومنها :
"3. الطبيب الماهر الذي أخطأت يدُه .
4. الطبيب الماهر إذا أخطأ في وصف الدواء" انتهى .
وبناء على هذا ؛ فإنه يُسأل ثلاثة من الأطباء الثقات عن هذا الدواء الذي أعطيته للمريض ، فإن قالوا : إن الجرعة الزائدة منه ، لمثل هذا المريض لا تسبب الوفاة : فلا ضمان على أحد .
وإن قالوا : إنها تسبب الوفاة ؛ فعلى المخطئ الضمان .
والضمان هنا يكون بالدية، والكفارة .
وتكون الدية على عاقلة المخطئ ، لأن القتل خطأ .
فإن امتنعوا ، أو كانوا فقراء : رجعت على المخطئ وتحملها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصحيح أنه إذا لم يكن له عاقلة : فعليه. فإن لم يكن هو واجداً : أخذنا من بيت المال؛ وذلك لأن الأصل أن الجناية على الجاني، وحُمِّلَت العاقلة من باب المعاونة والمساعدة" انتهى من "الشرح الممتع" (14/ 179).
وينظر جواب السؤال رقم: (280788 ) .
وأما الكفارة فهي على المخطئ ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، لقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا إلى قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً النساء/92 .
ثانيا :
تحديد المخطئ بحسب السؤال فيه غموض .
هل الطبيب هو الذي أخطأ في وصف الدواء ؟
أم إن الطبيب وصفها وصفا صحيحا ، والممرض هو الذي أخطأ في مضاعفة الجرعة ؟
أم الخطأ كان من الصيدلي ؟
فالمخطئ من هؤلاء الثلاثة هو الذي يتحمل الدية والكفارة .
فلو كان الخطأ من الطبيب أو الصيدلي، لكن الممرض هو من أعطى الدواء للمريض:
فالقاعدة عند العلماء أنه "إذا اجتمع متسبب ومباشر للإتلاف : فالضمان على المباشر .
لكن إذا كان المباشر غير مُتَعدٍّ ، وكانت المباشرة مبنية على السبب ؛ فالضمان على المتسبب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وإن اجتمع متسبب ومباشر:
فإن كان المباشر يمكن تضمينه ؛ فعلى المباشر وحده.
وإن كان لا يمكن تضمينه ؛ فعلى المتسبب وحده ...
كذلك إذا كان المباشر غير معتدٍ، وكان المتسبب هو المعتدي، وكانت المباشرة مبنية على ذلك السبب؛ فإن الضمان يكون على المتسبب.
وذلك مثل لو شهد جماعة على شخص بما يوجب قتله، فقتله السلطان، ثم بعد ذلك رجعوا، وقالوا: عمدنا قتله، فهنا المباشر السلطان، والمتسبب هم الشهود، لكن المباشر قد بنى مباشرته على مسوِّغ شرعي، وهو شهادة الشهود، ولا يمكنه أن يتخلص من هذه الشهادة الموجبة للقتل، وهذا السبب هو الذي أقر على نفسه بالجناية، فيكون الضمان على المتسبب" انتهى من "الشرح الممتع" (14/ 91).
والمتسبب هنا هو الطبيب، إن كان أخطأ في الوصفة ، والمباشر هنا الممرض، ولكن المباشرة مبنية على السبب، لأنه ليس من طبيعة عمل الممرض أن يراجع الأدوية ويعدل فيها بعد الطبيب، أو الصيدلي ، وإنما ينفذ ما قالاه ، فلا يتحمل مسئولية خطأ واحد منهما.
وإذا كان من مهام هذا الممرض، في مكان عملكم: التدقيق، والنظر فيما يكتبه الطبيب، ومراجعته بهذا الخصوص؛ فيرجع إلى بروتوكول العمل الخاص بكم، وطريقته في تحديد المسؤولية، وهل هي على طرف واحد، أو على أكثر من طرف، بحسب نسبة مسؤوليتهم.
والحاصل:
أنه إن ثبت أن الوفاة بهذا السبب، فينظر ؛ فإن كان الطبيب هو المخطئ فهو الضامن، وإن كان الصيدلي فهو الضامن ، فإن لم يخطئ واحد منهما ، وكان الخطأ من الممرض ، فهو الضامن .
والله أعلم.