كم كان طول الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث في وصفه صلى الله عليه وسلم أنه كان متوسط الطول، وفي روايات متوسط الطول، ولكن كان إلى الطول أقرب، وفي روايات أخرى ما ماشى أحدا من الناس إلا طاله فكيف، يكون ذلك منهم من يقول: إنه كان فارع الطول، لكن الله عز وجل جعل مظهره كأنه معتدل؛ كي لا يخاف منه الناس، ومنهم من قال: إنه كان معتدل الطول، لكن من معجزاته أنه عندما يماشي الناس يصبح أطول منهم؟ وكم تقدرون طوله بالسنتيمترات الآن؟
الحمد لله.
أولا:
الثابت في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان رَبْعةً من الرجال، أي: متوسط الطول، كما روى البخاري (3547) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ، وَلاَ آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ".
(أزهر اللون) أبيض مشرب بحمرة. (أمهق) خالص البياض. (آدم) شديد السمرة. (جعد) متكسر الشعر. (قطط) شديد الجعودة. (سبط) مسترسل الشعر ضد الجعد. (رجل) منسرح الشعر.
وروى البخاري (3551)، ومسلم (2337) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ".
قال النووي رحمه الله: " (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا): هو بمعنى قوله في الرواية الثانية: "ليس بالطويل ولا بالقصير"" انتهى من "شرح مسلم" (15/ 91).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: "كان ربعة": بفتح الراء وسكون الموحدة، أي: مربوعا، والتأنيث باعتبار النفس، يقال: رجل ربعة، وامرأة ربعة، وقد فسره في الحديث المذكور بقوله: "ليس بالطويل البائن ولا بالقصير".
والمراد بالطويل البائن: المفرط في الطول، مع اضطراب القامة.
وسيأتي في حديث البراء بعد قليل أنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا"، ووقع في حديث أبي هريرة عند الذهلي في الزهريات بإسناد حسن: "كان ربعة، وهو إلى الطول أقرب"" انتهى من "فتح الباري" (6/ 569).
ثانيا:
وأما ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جالس أو ماشى من هو منسوب إلى الطول: طاله صلى الله عليه وسلم.
فقد وردت هذه الصفة من حديث عائشة رضي الله عنها.
رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص636)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (1 / 298) و (1 / 306)، والخطيب في "تلخيص المتشابه" (1 / 135)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (3 / 356): عن صُبَيْح بْن عَبْدِ اللَّهِ أَبي مُحَمَّدٍ الْفَرْغَانِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا الْمُشَذَّبِ الذَّاهِبِ ، وَالْمُشَذَّبُ: الطَّوِيلُ نَفْسُهُ إِلَّا إِنَّهُ الطَّوِيلُ النَّحِيفُ وَلَمْ يَكُنْ صلى الله عليه وسلم بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ فَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى الرَّبْعَةِ إِذَا مَشَى وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ إِلَّا طَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَرُبَّمَا مَاشَى الرَّجُلَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ فَيَطُولُهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَا إِلَى الطُّولِ ، وَنُسِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرَّبْعَةِ وَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم: جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الرَّبْعَةِ … ".
وهذا الخبر مدار إسناده على صُبَيْح بْن عَبْدِ اللَّهِ أَبي مُحَمَّدٍ الْفَرْغَانِيّ، وقد ضُعِّف.
قال البيهقي رحمه الله تعالى:
" وقد روى صبيح بن عبد الله الفرغاني- وليس بالمعروف " انتهى. "دلائل النبوة" (1 / 298).
وقال الخطيب رحمه الله تعالى:
" صبيح بن عبد اللّه الفرغانيّ: صاحب مناكير " انتهى. "تلخيص المتشابه" (1 / 135).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" صبيح بن عبد الله. شيخ لأحمد بن أبي خيثمة.
قال عبد الغني المصري: منكر الحديث " انتهى. "ميزان الاعتدال" (2 / 282).
وضعفه ابن كثير في "البداية والنهاية" (8 / 453).
وقد ورد نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (4/ 59)، ومن طريقه رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (3 / 272): عن سَعِيد بْن بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ، ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ، حَمْشَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، مَا مَشَى مَعَ أَحَدٍ إِلَّا طَالَهُ".
ومدار إسناده على سعيد بن بشير، وقد ضُعِّف أيضا.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" سعيد بن بشير صاحب قتادة: وثقه شعبة، وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقيل: كان قدريا. ضعفه أبو مسهر وابن المديني وابن معين" انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 256).
ولخّص حاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله:
" سعيد ابن بشير الأزدي مولاهم أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي، أصله من البصرة أو واسط: ضعيف " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص234).
ووردت هذه الصفة أيضا من حديث علي رضي الله عنه.
روى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (1 / 315)، وعبد الله ابن الإمام أحمد كما في "المسند" (2 / 429) ، وغيرهما: عن نُوح بْن قَيْسٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خالد، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ: ( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيًّا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، صِفْهُ لَنَا. فَقَالَ: كَانَ لَيْسَ بِالذَّاهِبِ طُولًا، وَفَوْقَ الرَّبْعَةِ، إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ … ).
ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد "المسند" (2 / 430): عن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: " كَانَ لَيْسَ بِالذَّاهِبِ طُولًا … " فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً.
وهذا إسناد ضعيف، لجهالة خالد بن خالد.
قال أبو زرعة العراقي رحمه الله تعالى:
" خالد بن خالد، عن يوسف بن مازن … لا أعرفه " انتهى. "ذيل الكاشف" (ص 90).
كما أن هذا الإسناد مرسل غير متصل، فيوسف بن مازن لم يدرك عليّا رضي الله عنه.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" يوسف بن مازن بصري روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مرسل " انتهى. "الجرح والتعديل" (9 / 230).
وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه عبد الله بإسنادين؛ في أحدهما رجل لم يسم، والآخر من رواية يوسف بن مازن عن علي، وأظنه لم يدرك عليا، والله أعلم " انتهى. "مجمع الزوائد" (8 / 272).
وورد نحوه من حديث عمر رضي الله عنه.
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (3 / 264): عن أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي السَّرِيِّ، أَنْبَأَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ، أَنْبَأَنا ابْنُ بَشِيرٍ الْعَبْدِيُّ، عن أَبِيهِ: " أَنَّ ناسًا أَتَوْا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، فقالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ! صِفْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنّا نراهُ، فَإنَا إِلَيْهِ مُشْتاقونَ.
قال: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ اللَّوْنِ مُشْرَبًا حُمْرَةً ... إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ".
وفي إسناده أبو محمد بن أبي السري: والظاهر أن هذا خطأ من النساخ أو الطابع، فالذي يروي عن يحيى بن سعيد الحمصي، هو محمد بن أبي السري، وقد وُثِّق، وله أوهام.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" محمد بن المتوكل العسقلاني.
هو محمد بن أبي السري، حافظ رحال... وثقه ابن معين.
وقال أبو حاتم: لين الحديث.
وقال ابن عدي: كثير الغلط.
... ولمحمد هذا أحاديث تستنكر " انتهى. "ميزان الاعتدال" (4 / 254 - 255).
ويحيى بن سعيد الحمصي العطار قد ضُعّف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" يحيى بن سعيد الحمصي العطار عن مبارك بن فضالة وعدة.
قال ابن عدي: هو بيِّن الضعف. وقال غيره: صالح الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 735).
ولخّص حاله الحافظ ابن حجر بقوله رحمه الله تعالى:
" يحيى ابن سعيد العطار، الأنصاري الشامي: ضعيف " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص591).
ولم نعلم من المقصود بابن بشير العبدي ولا والده.
فأسانيد هذه الصفة جميعها: لا تصح.
الخلاصة:
الثابت من صفة طول النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان معتدل الطول ليس بالطويل ولا بالقصير، وهو إلى الطول أقرب.
قال الملا علي القاري رحمه الله:
" والحاصل: أنه كان معتدل القامة، لكن إلى الطول أميل، فإن النفي انصبّ إلى قيد وصف البائن، فثبت أصل الطول، ونوع منه ..." انتهى من "مرقاة المفاتيح" (9 / 3700).
وأما تقدير ذلك بالمتر أو بالذراع ونحوه، فلم نقف عليه.
وأما صفة أنه إذا جالس أو ماشى من هو منسوب إلى الطول طاله صلى الله عليه وسلم، فهذا لم يرد بإسناد صحيح.
والله أعلم.