هل يعمل في بقالة تبيع اليانصيب أم في محل يبيع الخمر والخنزير !؟
أنا شاب أعيش في أمريكا ، منذ شهرين وأنا أبحث عن عملٍ حلالٍ شرعاً ، ولكن العرب الذين يعيشون في نفس المدينة إما يبيعون الخنزير أو الخمر ، وفي نفس الوقت لا يمكنني الانتقال إلى مدينة أخرى لأن زوجتي طالبة في الجامعة ، هل العمل في المطاعم التي تبيع الخنزير في هذه الحالة حرام ؟ وقد وجدت عملاً في مدينة أخرى تبعد 20 ميلاً يتمثل في بقالة تبيع أيضاً أوراق اليانصيب ، وأضطر إلى الرجوع إلى المنزل بعد منتصف الليل تاركاً زوجتي وابنتي وحدهما ، وبحلول فصل الشتاء هذه الأيام تنزل درجة الحرارة إلى تحت الصفر ، ويتكون الجليد والضباب مما يجعل الطريق خطرة ، فهل العمل في محلات البقالة التي تبيع أوراق اليانصيب حرام ؟ وأيهما أفضل في هذه الحالة : هل أعمل في المطاعم التي تبيع الخنزير المتواجدة في نفس المدينة التي أعيش فيها أم في محل البقالة الذي يبيع اليانصيب في المدينة الأخرى ؟
الجواب
الحمد لله.
لا أظنك – أخي السائل – تريد منّا أن نفاضل لك بين إثمين كبيرين عظيمين ، إثم
القمار والميسر في ( اليانصيب ) الذي نهى عنه الله سبحانه وتعالى في آيات تتلى إلى
يوم القيامة حيث يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن
يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )
المائدة/90-91
، وبين إثم بيع لحم الخنزير أو الخمر التي حرمهما الله سبحانه وتعالى أيضا.
أهذا هو ما يرضى به المسلم أن يؤول به الحال إلى التخيير بين كبائر الذنوب ؟! وهل
هذه هي الحياة التي يسعى في تحصيلها والتنعم بها ؟! .
لا أظنك – أخي السائل – وأنت المسلم الكريم العزيز بإسلامه ، القوي بإيمانه ، ترضى
أن تبيع المنكر العظيم الذي أفسد الأرض وملأها ظلما ومنكرا وفسادا ، فالخمر أم
الخبائث ، والميسر أكل لأموال الناس بالباطل ، والخنزير حرمه الله تحريما قطعيا ،
بل إن تحريم هذه الأمور من أبرز معالم شريعة الإسلام ، فلا ينبغي لمسلم أن يتنازل
حتى يبيع ما يغضب الرب سبحانه وتعالى .
نعم ، لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يبيع المسلم المنكرات على الناس ، ولو على
غير المسلمين ؛ لأنه بذلك يكون مشاركا في نشر الإثم ، ومعاونا في معصية الله تعالى
ومخالفة أمره .
وفي موقعنا الكثير من الفتاوى التي تبين هذه المسألة ، وتقرر تحريم مشاركة المسلم
في بيع المحرمات ، ولو على غير المسلمين ، فانظر أجوبة الأسئلة : (
1830 ) و (
40651 ).
ويمكنك الاتفاق – إن كنت لا بدَّ مقيماً في تلك البلاد – مع صاحب البقالة على عدم
بيعك لليانصيب ، وتكتفي ببيع ما فيها من مواد مباحة .
وما هذه الحال التي وصلت إليها – أخي الفاضل – من التفكير في هذه الأعمال المحرمة ،
وكذلك حال كثير من المسلمين في تلك البلاد إلا نتيجة طبيعية للإقامة بين الكفار ،
وفي دول الكفر ، بعيدا عن بلاد المسلمين ؛ فإن المجتمع الكافر لا تضبطه حدود ، ولا
يراعي لله أمراً ولا نهياً ، أما مجتمعات المسلمين فهي محافِظة إلى قدرٍ كبير –
بحمد الله – على حدود الله سبحانه وتعالى ، ولذلك ننصحك بمراجعة الفتاوى المنشورة
في موقعنا حول حكم الإقامة في بلاد الكفار ، فانظر أجوبة الأسئلة : (
13363 ) و (
27211 ).
وتذكر - أخي السائل - أن تقوى الله سبحانه هي خير خلف على المرء في دنياه وآخرته ،
فهي في الدنيا مصدر رزق للعبد كما قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى
آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )
الأعراف/96
،
وقال تعالى : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )
الطلاق/2-3
، وهي في الآخرة كفارة للذنوب ، ووقاية من عذاب الله تعالى ، يقول عز وجل : ( وَمَن
يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً )
الطلاق/5 .
والدنيا أيامها معدودة ، والأجل آت قريب ، ولا يدري المرء أفي يومه تقبضه الملائكة
أم في غده ، فكيف سيكون حال من قبضت روحه وهو مشتغل في بيع المحرمات ، ولم يسمع
نصحا ولم يلتفت إلى تذكير ؟!
ولا نظنك أخي السائل إلا ممن يخاف عذاب الله وعقوبته ، ولا ترضى أن يكون هذا حالك ،
والصبر مفتاح الفرج ، فاجتهد في البحث عن عمل حلال طيب ، وراجع نفسك في أمر إقامتك
في تلك البلاد ، ونسأل الله سبحانه لك الهداية والتوفيق للحق والخير .
والله أعلم