الحمد لله.
أولا :
من يقرأ سؤالك أيها الأخ الكريم يفهم أنه لابد لك من أحد أمرين : إما مشاهدة الرياضة في المقاهي ، وإما مشاهدتها في البيت ، وأن فكرة البعد عن مشاهدتها بالكلية ليست واردة لديك ، وهذا مما يبعث على الأسى والحزن ، أن ينشغل شباب الأمة بمشاهدة المباريات ، ومتابعة الفرق الرياضية ، وتعظيم أهل اللهو والغفلة ، بينما تزداد الأمة تأخرا وتخلفا في شتى المجالات .
وهذا المسلك ينتج عن عدة أسباب :
الأول : عدم إدراك قيمة العمر والوقت ، وإلا فلو أدرك الإنسان شرف زمانه وأهمية عمره لضنّ به أن يضيع في غير فائدة .
الثاني : عدم الانشغال بشيء جاد ، من علم أو حرفة أو تجارة ، بل يظن كثير من الطلاب أنه إن ذاكر دروسه ، فقد أدى ما عليه ، وفاته أنه – كغيره من المكلفين – ينبغي أن يسارع في الخيرات ، وأن يملأ الصحائف بالحسنات ، بل يتأكد هذا في حقه لأنه في سن الشباب والقوة وفراغ البال .
الثالث : عدم وجود الصحبة الصالحة التي تعين على طاعة الله .
فهذه من أهم أسباب الغفلة ، والموفق من سعى إلى العلاج والتدارك قبل فوات الأوان .
ثانيا :
ينبغي أن تسأل نفسك عدة أسئلة تعينك على اتخاذ الموقف الصحيح في هذه القضية ، ومنها :
1- ماذا لو توقفت عن مشاهدة جميع المباريات ؟ ماذا يكون ؟ ملل ، ضيق ، حسرة ، إلى متى ؟ يوم أو أيام ، ثم تقوى النفس المطمئنة ، وتضعف النفس الأمارة بالسوء ، فتحلو الأيام ، وتزداد حلاوة كلما استزدت من أغذية الإيمان من العلم والذكر والطاعة . وإن في النفس وحشة لا يذيبها إلا ذكر الله ، وفي النفس ظمأ لا يرويه إلا الصلة بالله .
2- ما الفائدة من مشاهدة هذه الألعاب خلال سنة وسنوات ؟ متعة ، إتقان للعب ، قتل للوقت ، مجاراة للأصحاب ، ثم ماذا ؟ وهل هذه أهداف يسعى لتحقيقها المسلم العاقل ؟!
أما المتعة فعما قريب تزول ، وتبقى بعدها الحسرة والندم على إضاعة الوقت .
وأما إتقان اللعب ، فدعوى لا حقيقة لها ، فكم أفادك ما شاهدته من قبل ؟ وكم أفاد غيرك ، وهل يشرفك أن تكتب عند الله لاعبا ؟!
وأما قتل الوقت ، فمتى أصبح الوقت عدوك حتى تسعى في قتله ؟! إن الوقت هو أنفاسك ، هو عمرك ، هو لحظات عيشك ، يمكن أن تملأه بآلاف وملايين الحسنات ، وحسبك أن قول : سبحان الله وبحمده مرة ، تغرس لك بها نخلة في الجنة ، فكم من بساتين أضعتها ، وكم من حسنات أهدرتها ؟! وأما مجاراة الأصحاب ، ففتش في أصحابك وانظر أيهم سيدخل قبرك معك ؟! وأيهم سيعينك يوم الموقف ؟! والله يقول : ( الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف/67 ، ويقول : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) عبس/34- 37 ، ويقول سبحانه : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا) الفرقان/27- 29 .
3- هل مشاهدة المباريات ، ومتابعة القنوات الخاصة بها تخلو من ارتكاب الحرام ؟ كما تدعي النفس الأمارة بالسوء . أم أن الحرام قد يدخل على قلبك من رؤية المذيعات ، أو رؤية اللاعبات ، أو رؤية بعض المشاهدات ، ممن تسلط عليهن الكاميرا مرات ومرات ، فلم يخدع الإنسان نفسه ؟ ثم هذه الساعة تلو الساعة ، تضيع بلا فائدة ، ألا تشعر معها بالحياء من الله ؟ ألا تقوم عنها وقد اشتكى القلب من ظلمتها وخلوها من ذكر الله ؟ وهؤلاء اللاعبون تحفظ أسماءهم ، وتلهث وراءهم ، وتتعصب لأنديتهم ، وتتابع أخبارهم ، وربما كان بعضهم ممن لا يؤمن بالله ، ألست تخجل من ذلك ؟ ولو سئلت عن سيرة عشرة من الصحابة ما أجدت ، فما أعظم المصيبة ! وما أشد البلاء !
ثم هل تأمن على نفسك أن تدمن المشاهدة ، وأن يتدرج بك الشيطان حتى تشاهد قنوات أخرى ؟ وشواهد الأحوال تنبئك عن أناس ضحك عليهم الشيطان ، حين اتبعوا خطواته ، وزين لهم الاقتصار على مشاهدة الرياضة ، ثم لم يزل يعدهم ويمنّيهم حتى شاهدوا كل شيء ، فلا تسل عن حيرتهم ، ولا عن ضياعهم ، ولا تسل عن صلاتهم وقيامهم ، ولا تسل عن وردهم وذكرهم . والمعصوم من عصمه الله .
فالله الله في نفسك ، حاسبها قبل أن تحاسب ، وزن أعمالك قبل أن توزن عليك ، واحذر خطوات الشيطان ، فإن الأمر يبدأ صغيرا ، فما يلبث أن يصير كالجبل ، ينوء الإنسان بحمله ، وإذا اجتمعت الذنوب على العبد أهلكته .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/21 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) رواه أحمد من حديث ابن مسعود ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2687) .
لهذا أيها الأخ الكريم نوصيك بتقوى الله تعالى والثبات على طاعته ، والحذر من معصيته ، والبعد عن هذه القنوات التي إن سلمت فيها من اقتراف الحرام ، حرمتك من الأجر العظيم ، والثواب الكبير ، وأنزلت رتبتك من المراتب العالية إلى ما دونها .
واعتبر بما قاله ابن القيم رحمه الله عن نفسه : " وقال لي يوما شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في شيء من المباح : هذا ينافي المراتب العالية وإن لم يكن تركه شرطا في النجاة ، أو نحو هذا من الكلام . فالعارف يترك كثيرا من المباح إبقاء على صيانته ، ولاسيما إذا كان ذلك المباح برزخا بين الحلال والحرام " انتهى من "مدارج السالكين" (2/26).
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .