تزوجت قبل ثلاثة أشهر وكنت أود السفر بعد زواجي مباشرة إلى الخارج للدراسة ومعي زوجتي وحصلت لي ظروف منعتني من السفر. وأنا الآن أبحث عن وظيفة وأريد إعداد مسكن لي ولزوجتي. وتبين لي الآن أن زوجتي حامل. سؤالي هو هل يجوز إسقاط ذلك لغرض تأجيل الحمل وليس خوفاً من عدم القدرة على النفقة؟ علماً بأنه لم يمر أكثر من شهر على الحمل وليس لدي مسكن خاص ولا وظيفة. وأحتاج إلى وقت لكي أعد ذلك. ولم أعش مع زوجتي الاستقرار النفسي والحسي في خصوصية تامة لأن معظم وقتنا ونحن في بيت أهلها. أريد الاستقرار والتفاهم والاتصال جيداً مع زوجتي أولاً. وأريد من زوجتي الاستعداد لبيتها الجديد وإدارته وتعلم الطبخ لأنها لا تجيد الطبخ. كل هذا لن يحدث بسبب الحمل لأن الحمل متعب بالنسبة للمرأة وأنا أرى في هذه الحالة أن الحمل قد يقود إلى ظهور مشاكل بيني وبين زوجتي وعدم وجود الراحة النفسية. وقد قرأت عن إباحة الإسقاط قبل مضي أربعين يوماً على الحمل بدون عذر من بعض المذاهب فما رأيكم في ذلك؟
الحمد لله.
ذهب جمع من أهل العلم إلى إباحة إسقاط النطفة قبل الأربعين، وذهب آخرون إلى تحريم ذلك. ومن أقوال المجيزين: ما قاله ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (3/401): "وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح، ما لم يتخلق شيء منه ".
ويحتمل أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وذلك يكون بعد تمام مائة وعشرين يوما على الحمل، ويحتمل أنهم أرادوا التخليق وإن لم تنفخ فيه الروح، وذلك لا يكون قبل ثمانين يوماً من بداية الحمل، والغالب أنه يكون عند التسعين.
وفي حاشية قليوبي وعميرة (شافعي) (4/160): " نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه، خلافا للغزالي " انتهى.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (حنبلي) (1/386): " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. ذكره في الوجيز، وقدمه في الفروع.
وقال ابن الجوزي في أحكام النساء: يحرم. وقال في الفروع: وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون: أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح. قال: وله وجه. انتهى. وقال الشيخ تقي الدين: والأحوط أن المرأة لا تستعمل دواء يمنع نفوذ المني في مجاري الحبل " انتهى.
ومن أقوال المانعين: قول الدردير في شرحه على خليل (مالكي) (2/266): "ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا" انتهى.
وقال الرملي في نهاية المحتاج (شافعي) (8/442): " وقال المحب الطبري: اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قيل: لا يثبت لها حكم السقط والوأد، وقيل: لها حرمة، ولا يباح إفسادها، ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم، بخلاف العزل فإنه قبل حصولها فيه...
وقد أشار الغزالي إلى هذه المسألة في الإحياء فقال بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى ما حاصله: وليس هذا كالإجهاض والوأد لأنه جناية على موجود حاصل، فأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة، فإفسادها جناية، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشاً، ثم قال: ويبعد الحكم بعدم تحريمه " انتهى.
والحاصل أن الفقهاء مختلفون في هذه المسألة، وعليه فلا ينبغي الإقدام على شيء من ذلك إلا لعذر، براءة للذمة، واحتياطا للدين.
وثمة أمر آخر لا ينبغي أن تغفل عنه، وهو إدراك نعمة الله تعالى وفضله في إعطاء الولد، وهذه النعمة ينبغي أن تقابل بالفرح والشكر والرضا، ولا يدري الإنسان إن هو أعرض عن هذه النعمة، هل تعود له بعد ذلك أو لا؟
ولهذا فنصيحتنا لك هي الإبقاء على الحمل، وتهيئة النفس لذلك، واستشعار نعمة الله فيه، ولعله يكون بابا لسعة الرزق، المادي والمعنوي، ومنه الاستقرار النفسي، والتوافق الزوجي، فإن اخترت الأمر الآخر، فليكن بعد استخارة الله تعالى، فإن الإنسان لا يدري أين الخير. ويشترط لذلك رضا الزوجة؛ لأن لها حقا في الولد، وقد قرر الفقهاء أن الرجل لا يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها.
وينظر لمزيد الفائدة هذه الأجوبة: 115954، 12475، 289412، 390205، 13319.
والله أعلم.