الحمد لله.
آلمتنا رسالتك أشد الألم ، وأصابنا الغم والهم بسببها ، وإننا لفي عجبٍ من كل من يرضى على عرضه أن يكون بين ذئابٍ بشرية ، وكم نادينا بما نادت به الشريعة الغراء من ضرورة الفصل بين النساء والرجال ، وكم بَيَّنا تحريم الاختلاط بين الجنسين ، وكم نبهنا على أن الشريعة لم تأذن للمرأة أن تؤذن ولا أن تؤم وتخطب الجمعة ، ورغبت في صلاتها في بيتها ، وحرَّمت على المرأة أن تسافر من غير محرَم ، ومن أن تخلو برجل أجنبي عنها ، ومن أن تخضع بالقول وتلين فيه ، أو تصافح الرجال الأجانب عنها أو تمازحهم ، وكل ذلك – وغيره - من أجل الحفاظ على الأعراض ، ومن أجل سلامة القلوب من الفتنة .
وها هم المسلمون وللأسف – إلا من رحم الله – يفرطون في تلك الأوامر ، ويرتكبون تلك النواهي ، حرصاً منهم على مشابهة الغرب في تصرفاتهم ، أو حرصاً على تحصيل شهادة ، ولو دُفع مقابلها أغلى الأثمان ، وهو العِرض ! نعم ، العِرض هو الثمن في حالات كثيرة ، ونحن نتلقى مئات الرسائل والاتصالات والحالات لشباب وشابات على الطاعة والاستقامة سرعان ما يذوب أحدهم في مجتمعه المختلط ، ويتأثر بالبيئة الفاسدة التي حوله ، فينسى استقامته ، ويتخلى عن طاعته ، ويبيعها بثمن بخسٍ ، إرضاءً لشهوته البهيمية الزائلة .
وانظري لنفسكِ أيتها السائلة ، أين تدينكِ ؟ أين استقامتك وطاعتك لربك ؟ وضعتِ على رأسك حجاباً استجابة لأمرِ الله وفرَّطتِ في عرضك تسلمينه للذئاب تنهش به ؟! كيف رضيتِ لنفسك وأنت على هذه الحال من التدين والحجاب أن تكلمي أجانب عنك بكلمات غير لائقة ؟! وأين أنتِ عن رقابة الله تعالى لك وسماعه وإبصاره لك وأنت تمارسين الزنا على الهاتف ؟! ماذا لو رآكِ أهلك وأنت تفعلين هذا ؟ وماذا لو قبض الله تعالى روحك وأنت تفعلين هذا فكانت هذه خاتمة حياتك ؟ هل تضمنين الحياة بعد تلك الأفعال المشينة ؟ وهل تضمنين التوفيق للتوبة بعدها ؟! .
وإذا كنتِ تتوقعين منا حلاًّ لمشكلتك ينهيها لك : فليس عندنا حل إلا في الاستجابة لأوامر الله تعالى ، والكف عن نواهيه .
إن باب التوبة مفتوح أمامكِ أيتها السائلة ، وفضل الله ورحمته على عباده عظيمة جليلة ، فسارعي إلى إرضاء ربك بتوبة صادقة ، وأعمال يحبها ويرضاها ، وتجنبي سخطه عز وجل ، ولا تقدِّمي شيئاً على نعيم الآخرة ، ولا تجعلي لك همّاً غير أن يرضى عنك ربك سبحانه وتعالى .
ولقد لمسنا من رسالتك تنازع جوانب الخير والشر ، فتغلبك الشهوة ويغلبك الشيطان فتفعلين المحرمات ، ثم يأتيك داعي الخير ليُحدث عندك ندماً وأسفاً على الحال التي وصلتِ لها ، فاستثمري داعيَ الخير ، وأخرجي داعي الشر من نفسك ومن حياتك ، فالنفس اللوامة التي تلومك على فعل المنكرات والآثام خير من النفس الأمَّارة بالسوء ، لكن إن لم تتداركي نفسك لتكون نفسك نفساً خيِّرة مطمئنة فقد تصير نفساً أمَّارة بالسوء ، واحرصي على الصحبة الصالحة من النساء المتدينات ، والزمي كتاب الله تعالى قراءة وحفظا وتدبراً ، واحرصي على طلب العلم من الأشرطة والكتب وحلقات العلم ، وتداركي نفسك قبل فوات الأوان .
وتعاهدي إيمانك بتقويته بأوراد يومية من القرآن والأذكار ، وألزمي نفسك بالاستقامة على أمر الله تعالى ، واسأليه عز وجل أن يعينك ويوفقك لما يحب ويرضى .
وأكثري من دعاء الله تعالى الثبات والاستقامة والهداية ( اهدنا الصراط المستقيم ) وكان من دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه ) رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1823)
( اللهم يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ) رواه الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فالمشكلة منكِ ، والحل عندكِ ، وما تختارينه لنفسك يدل على صدقك أو كذبك ، فإن اخترتِ التوبة الصادقة : فأنت صادقة في ندمك وأسفك ، وصادقة في رسالتك أنك تريدين النجاة والخلاص من المعاصي والآثام ، وإن اخترتِ الصحبة الفاسدة : فأنت لستِ صادقة في ندمك وأسفك ، ولستِ صادقة في البحث عن النجاة من همومك وغمومك ومعاصيك ، ونرجو أن تكوني من الصادقات .
وأما عن سؤالك أنه هل يمكن أن ترجعي لحالك الأول : فنبشرك بأنه يمكن أن ترجعي لأحسن منه، لكن على أن تصدقي في التوبة والإنابة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
لكن قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب ، وتكون مصلحته أنه يتوب منه ، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقّة وإنابة إلى الله تعالى ، فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها ؛ فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبْر وعُجب وقَسوة ، فإذا وقع في ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من التوبة .
" مجموع الفتاوى " ( 14 / 474 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
وما أكثر ما يكون الإنسان منَّا بعد المعصية خيراً منه قبلها ، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية ، ثم يجد مِن قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله ، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر ، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع ، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه ، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله ، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم
صحته ، وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها ، كما قال : ( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) طه/ 122 ، أي : بعد أن أذنب وتاب ؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه ، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم ؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان ، ورفعة الدرجات ، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك ، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله .
" الشرح الممتع " ( 3 / 51 ، 52 ) .
فلا تستعظمي ذنوبك مقابل رحمة الله ، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ، ويحب التوابين .
قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/ 53،54 .
وقال عز وجل : ( إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/ 222 .
ونسأل الله تعالى أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الآثام والمنكرات ، ونسأله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك ، وأن يكرِّه إليك الكفرَ والفسوق والعصيان .
وانظري كلاماً مفصلاً حول التوبة وشروطها في جواب السؤال رقم : ( 13990 ) .
وللوقوف على كيفية التخلص من المعاصي : انظري جواب السؤال رقم : ( 10280 ) .
والله الموفق
تعليق