الحمد لله.
رزق الإنسان مكتوب له ، ورزق عياله مكتوب ومقدر ، قال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) . وطلاق الزوجة لا يزيد في الرزق ، ولا يوسع فيه بل إن الزواج والاستقرار الأسري يجلب البركة والرزق ، ولهذا قال تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) فدلت هذه الآية على أن النكاح سبب لجلب الرزق .
وأيضاً فقد أمر الله سبحانه وتعالى الرجال بالإنفاق على عيالهم ، وأمر من قُدِرَ عليه في الرزق أن ينفق مما آتاه الله قدر استطاعته ، ولم يأمره بالطلاق ، بل أخبر أنه سيجعل بعد العسر اليسر وبعد الضيق السعة ، قال تعالى : ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) .
فننصح أن لا يطلق الزوج أياً من زوجاته ، وأن يتوكل على الله يصبر ويسعى في طلب الرزق ، وأن لا يتكاسل أو يتواكل ، بل عليه أن يتوكل على الله حق التوكل ، قال صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا - جائعة - وَتَرُوحُ بِطَانًا - ترجع شبعانة - " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري : " الْمُرَاد بِالتَّوَكُّلِ اِعْتِقَاد مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَة : ( وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأَرْض إِلا عَلَى اللَّه رِزْقُهَا ) ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ تَرْك التَّسَبُّب وَالاعْتِمَاد عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْمَخْلُوقِينَ ، لأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرّ إِلَى ضِدّ مَا يَرَاهُ مِنْ التَّوَكُّل . وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَد عَنْ رَجُل جَلَسَ فِي بَيْته أَوْ فِي الْمَسْجِد وَقَالَ لا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي فَقَالَ : هَذَا رَجُل جَهِلَ الْعِلْم ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه جَعَلَ رِزْقِي تَحْت ظِلّ رُمْحِي " وَقَالَ " لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّه حَقّ تَوَكُّله لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُق الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا " فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو وَتَرُوح فِي طَلَب الرِّزْق قَالَ : وَكَانَ الصَّحَابَة يَتَّجِرُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخِيلهمْ ، وَالْقُدْوَة بِهِمْ " .
وعلى الزوجات أن يساعدن أزواجهن ، وأن يراعين حال الزوج وقدرته ولا يُكّلِّفْنَهُ أكثر من استطاعته ، وإن أمكنكما أن تعملا عملا مناسباً وتعينان الزوج في النفقة دون أن تخلاّ بالضوابط الشرعية وحاجة البيت والأبناء ، فلكما أجر ذلك ، جاء في الحديث أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا وَلَيْسَ لِي وَلا لِوَلَدِي وَلا لِزَوْجِي نَفَقَةٌ غَيْرَهَا وَقَدْ شَغَلُونِي عَنْ الصَّدَقَةِ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَهَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِيمَا أَنْفَقْتُ ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَإِنَّ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ " رواه أحمد برقم 15504 ، وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله قال : " لَهَا أَجْرَانِ : أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " .
نسأل الله أن يرزقنا العفاف والغنى ، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تعليق