الحمد لله.
أولاً :
المشروع للمسلم اجتناب استعمال الطلاق فيما يكون بينه وبين أهله من النزاع ، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة . وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق ، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق...وهكذا. وهذا نوع تلاعب بكتاب الله ، وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب الله ، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه ، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق ؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا ، فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ : ( أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ! حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلا أَقْتُلُهُ ) قال الحافظ : رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في غاية المرام (261) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم ، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : ( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري (2679) . فإذا أرد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل ، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى : ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة/89 . ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى : لا تكثروا الحلف بالله .
أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل : علي الطلاق أن تفعل كذا أو علي الطلاق ألا تفعل أو إن فعلت فامرأتي طالق أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/753) .
ثانياً :
قول زوجك : إن خرجت فأنت طالق ، أو أرسلك إلى أهلك وإن أعدتك فأنت طالق ، هو من الطلاق المعلق على شرط ، فيرجع فيه إلى نية الزوج ، فإن كان أراد الطلاق وقع الطلاق إذا خرجت ، أو إذا أعادك . وإذا لم ينو الطلاق وإنما نوى منعك من الخروج فقط ، فهذا حكمه حكم اليمين ، فإن خرجت أو أعادك لزمه كفارة يمين ، ولا يقع الطلاق بذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين : " الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين ، لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) التحريم / 1-2 . فجعل الله تعالى التحريم يميناً . ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) ، وهذا لم ينو الطلاق ، وإنما نوى اليمين ، أو نوى معنى اليمين ، فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين ، هذا هو القول الراجح " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/754) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن قال لزوجته : علي الطلاق تقومين معي ، ولم تقم معه . فهل يقع بذلك طلاق ؟
فأجابت : " إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق ، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء ، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86) .
ثالثا :
إذا كانت نية زوجك الطلاق ، كما ذكرتِ ، فينظر في نيته بقوله : " إن أعدتك " فإن كان قصده أنه لا يعيدك بنفسه ، لكن لا مانع أن يعيدك غيره أو أن تعودي بمفردك ، فحينئذ ينبغي أن تعودي مع غيره ولا يقع الطلاق بذلك .
وإن كان قصده وقوع الطلاق في كل الأحوال ، سواء أعادك هو أو أعادك غيره ، فإذا عدت وقعت طلقة رجعية – إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية – ، وله مراجعتك أثناء العدة.
رابعا :
إن كان الزوج تكلم بهذا في حال الغضب ، فينظر في درجة هذا الغضب ، كما هو مبين في السؤال رقم (45174) ورقم (82400)
والله أعلم .
تعليق