الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حكم المشروبات الغازية

102749

تاريخ النشر : 16-02-2009

المشاهدات : 212057

السؤال

ترددت إشاعات في الآونة الأخيرة حول دخول مشتقات من أمعاء الخنزير في مشروب " بيبسي " الأمريكي الشهير . وسمعت فتاوى عن تحريمه . فهل هذه الإشاعة صحيحة ؟ وما حكم شرب هذا المشروب ؟ وما الأمر بالنسبة لباقي المشروبات الغازية المماثلة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

الأصل في الأطعمة كلها الحل حتى يثبت التحريم ، وقد دارت حول بعض " المشروبات الغازية " مناقشات تقتضي بحثها والنظر فيها :

1- دخول الكحول فيها لغرض إذابة المواد الأولية .

يقول الدكتور محمد علي البار في كتابه " الخمر بين الطب والفقه " (ص/65) :

" لعل كثيرا من القراء لا يعلمون أن المشروبات الغازية مثل : " البيبسي كولا " ، و " الكوكا كولا " وغيرها قد أذيبت موادها الأولية بشيء من الكحول . والكحول هي روح الخمر (spirit) أو " سبيرتو " كما يسميها العامة " انتهى .

2- دخول مادة الهِضمين - واسمها اللاتيني : " البِبْسين " - في مكوناته ، وهي تُنتج عادة من غشاء أمعاء الخنزير . 

جاء في "الموسوعة العربية العالمية" (26/106) :

" الهضمين أو " الببسين " : إنزيم هاضم يوجد في عصارة المعدة ، يقوم بتحويل الأطعمة البروتينيَّة إلى مواد تسمى " ببتيدات " . والهضمين يُشبه الإنزيمات في التركيب الكيميائي ، لكنَّ تأثيراته مختلفةٌ تماماً ، إذ إن مفعوله يكون أقوى في بيئةٍ حمضية مثل بيئة المعدة . وليس له تأثيرٌ على الدُّهون و" الكربوهيدرات " . وتُنْتج مادة الهضمين تجاريّاً بتجفيف الغشاء المخاطيِّ لمعدة الخنزير والعجول . وهناك عدة مستحضرات تجارية لهذه المادة يمكن تعاطيها تسهيلاً للهضم " انتهى .

وهذا رابط الموضوع :

http://www.mawsoah.net/gae_portal/maogen.asp?main2&articleid=!الببسين!152455_1

3- وجود بعض الأضرار الصحية المحققة .

هذا محصل ما يمكن أن يناقش حول هذه المشروبات .

ثانياً :

لكي تكون هذه الإشكالات مؤثرة في الحكم لا بد من التثبت فيها من أمرين : وجودها فعليا في هذه المشروبات ، ثم التحقيق في حكمها الشرعي .

أما عن استعمال الكحول و " الببسين " المشتق من الخنزير ، فالحقيقة أنه غير لازم في جميع المشروبات ولا في جميع مصانعها ، فقد تستعمل مواد أخرى في الإذابة ، ويتحكم بذلك المشرفون على العمل في مصانع الشراب ، وفي كثير من البلاد الإسلامية يتم اجتناب استعمال الكحول في الإذابة ، واستبداله بمواد أخرى خالية من الشبهة .

وأما " الببسين " ، فقد يشتق من أمعاء العجول - كما سبق في النقل عن الموسوعة العربية العالمية - ، كما يمكن تصنيعه في المختبرات بطرق كيميائية أخرى ، وقد لا تلتزم الشركة باستخراجه من أمعاء الخنزير .

وأما الأضرار فلم نقف فيها - بعد البحث والتمحيص - على دراسة علمية موثقة معتمدة تثبت وجود الأضرار المحققة في هذه المشروبات ، وغاية ما هنالك أخبار تنقل هنا وهناك ، وإن رافقها شيء من الحجة العلمية غير أنها لا ترقى لمستوى إثبات الضرر العام الذي يصل بحكمها إلى التحريم .

وشرب الملايين من الناس لها كل يوم - وكثير منهم أكثر من مرة - يقوي جانب عدم الضرر الذي يُقرأ عنه ، ولعله يبالغ في تضخيمه .

ثالثاً :

قد بحث الفقهاء المعاصرون حكم استعمال الكحول وبعض الإنزيمات المشتقة من الخنزير مستهلكة أو مستحيلة - يعني متحولة عن طبيعتها الأصلية - في الأطعمة والأشربة اليوم ، وتوصلوا إلى إباحة هذه الأطعمة لغياب المادة المحرمة في المادة المباحة واستغراقها فيها ، بل أحياناً يتغير تكوينها الكيمائي وتتحول إلى مادة أخرى .

جاء في " توصيات ندوة الرؤية الإسلامية لبعض المشاكل الطبية " ما يأتي :

" المواد الإضافية في الغذاء والدواء التي لها أصل نجس أو محرم تنقلب إلى مواد مباحة شرعا بإحدى طريقتين :

1- الاستحالة :

ويقصد بالاستحالة في الاصطلاح الفقهي : " تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها ، وانقلاب عينها إلى مادة مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات "

ويُعبَّر عنها في المصطلح العلمي الشائع بأنها : كل تفاعل كيميائي يُحوِّل المادة إلى مركب آخر ، كتحول الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون ، وتحلل المادة إلى مكوناتها المختلفة ، كتفكك الزيوت والدهون إلى حموض دسمة و" غليسرين " .

وكما يحصل التفاعل الكيميائي بالقصد إليه بالوسائل العلمية الفنية يحصل أيضا - بصورة غير منظورة - في الصور التي أوردها الفقهاء على سبيل المثال : كالتخلل والدباغة والإحراق .

وبناء على ذلك تعتبر :

1-               المركبات الإضافية ذات المنشأ الحيواني المحرم أو النجس التي تتحقق فيها الاستحالة - كما سبقت الإشارة إليها - تعتبر طاهرة حلالَ التناول في الغذاء والدواء .

2-               المركبات الكيميائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرمة كالدم المسفوح أو مياه المجاري والتي لم تتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح المشار إليه ، لا يجوز استخدامها في الغذاء والدواء ، مثل : الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح : كالنقانق المحشوة بالدم ، والعصائد المُدمَاة ( البودينغ الأسود ) و( الهامبرجر ) المُدمَى ، وأغذية الأطفال المحتوية على الدم ، وعجائن الدم ، والحساء بالدم ونحوها ، تعتبر طعاما نجسا محرم الأكل ، لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق به الاستحالة .

أما بلازما الدم التي تعتبر بديلا رخيصا لزلال البيض - وقد تستخدم في الفطائر والحساء والعصائد ( بودينغ ) ، والخبز ، ومشتقات الألبان وأدوية الأطفال وأغذيتهم ، والتي قد تضاف إلى الدقيق ، فقد رأت الندوة أنها مادة مباينة للدم في الاسم والخصائص والصفات ، فليس لها حكم الدم ، وإن رأى بعض الحاضرين خلاف ذلك .

2- الاستهلاك :

ويكون ذلك بامتزاج مادة محرمة أو نجسة بمادة أخرى طاهرة حلال غالبا ، مما يُذهب عنها صفة النجاسة والحرمة شرعا ، إذا زالت صفات ذلك المخالِط المغلوب من الطعم واللون والرائحة ، حيث يصير المغلوب مستهلَكًا بالغالب ، ويكون الحكم للغالب ، ومثال ذلك :

1-               المركبات الإضافية التي يستعمل من محلولها في الكحول كميةٌ قليلةٌ جدا في الغذاء والدواء ، كالملونات والحافظات والمستحلبات مضادات الزنخ .

2-               ( الليستين )  و ( الكوليسترول ) المستخرجان من أصول نجسة بدون استحالة ، يجوز استخدامهما في الغذاء والدواء بمقادير قليلة جدا مستهلكة في المخالط الغالب الحلال الطاهر .

3-               الأنزيمات الخنزيرية المنشأ ، كـ " الببسين " وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها ، المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء والدواء الغالب " انتهى باختصار

وجاء في "فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث" (فتوى رقم/34) :

" يكتب ضمن محتويات بعض المأكولات حرف " إي " (E) باللغة الانجليزية ، مضافا إليها رقم ، وقيل : هذا يعني أنها تحتوي على مواد مصنعة من دهن أو عظم الخنزير .

فلو ثبت هذا الأمر ، فما هو الحكم الشرعي في تلك المأكولات ؟

الجواب :

هذه المواد المشار إليها بحرف ( إي ) مضافا إليها رقم هي مركبات إضافية يزيد عددها على ( 350 مركبا ) وهي إما أن تكون من : الحافظات ، أو الملونات ، أو المحسنات ، أو المحليات ، أو غير ذلك .

وتنقسم بحسب المنشأ إلى أربع فئات :

الفئة الأولى : مركبات ذات منشأ كيميائي صُنعي .

الفئة الثانية : مركبات ذات منشأ نباتي .

الفئة الثالثة : مركبات ذات منشأ حيواني .

الفئة الرابعة : مركبات تستعمل منحَلَّة في مادة ( الكحول ) .

والحكم فيها أنها لا تؤثر على حل الطعام أو الشراب ، وذلك لما يأتي :

أما الفئة الأولى والثانية : فلأنها من أصل مباح ، ولا ضرر باستعمالها .

وأما الفئة الثالثة : فإنها لا تبقى على أصلها الحيواني ، وإنما تطرأ عليها استحالة كيميائية تُغَيِّرُ طبيعتَها تغييرا تاما ، بحث تتحول إلى مادة جديدة طاهرة ، وهذا التغيير مؤثر على الحكم الشرعي في تلك المواد ، فإنها لو كانت عينها محرمة أو نجسة فالاستحالة إلى مادة جديدة يجعل لها حكما جديدا ، كالخمر إذا تحولت خلا فإنها تكون طيبة طاهرة ، وتخرج بذلك التحول عن حكم الخمر .

وأما الفئة الرابعة : فإنها تكون غالبا في المواد الملونة ، وعادة يستخدم من محلولها كمية ضئيلة جدا تكون مستهلكة في المادة الناتجة النهائية ، وهذا معفو عنه .

إذن فما كان من الأطعمة أو الأشربة يتضمن في تركيبه شيئا من هذه المواد فهو باق على الإباحة الأصلية ، ولا حرج على المسلم في تناوله .

وديننا يسر ، وقد نهانا عن التكلف ، والبحثُ والتنقيبُ عن مثل ذلك ليس مما أمرنا به الله تعالى ولا رسوله " انتهى .

نقلا عن "فقه النوازل" للدكتور محمد الجيزاني (4/263-267) .

ويقول الدكتور محمد علي البار في "الخمر بين الطب والفقه" (ص/65) :

" لو شرب إنسان ما كثيرا من هذه المشروبات : مثل " البيبسي كولا " فهل يسكر ؟ من المعلوم والمتفق عليه أنه لا يسكر ولو شرب فرقا - يعني كمية كبيرة - . فعلة التحريم وهي الإسكار مفقودة .. وعليه ، فإن حديث : ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) أو حديث : ( ما أسكر الفرق منه فمِلء الكف منه حرام ) - رواه الترمذي (1866) وحسنه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي - لا ينطبق مطلقا على هذه المشروبات ، إذ لو شرب شخص ما هذه المشروبات بأي كمية كانت فإنه لا يسكر .

وعليه ؛ فإن هذه المشروبات لا يمكن أن تكون إلا حلالا ؛ لأن علة التحريم مفقودة أصلا .. وهي الإسكار .. ولأنه لا ينطبق عليها اسم الخمر لا لغة ولا شرعا ولا حكما .

ورغم كل هذا فإن أغلب الفقهاء متفقون على أن الخمر لو أضيفت إلى سائل أو مادة استهلكت فيها الخمر استهلاكاً تاماً بحيث لم تعد تلك المادة مسكرة ولو شرب منها الكثير فإن تلك المادة تصبح حلالاً ، وما فيها من الخمر معفو عنه ؛ لأنه داخل في حكم المستهلَك ، وقد استدل الفقهاء على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتي بجبن من الشام وأخبر بأنه يُعقد بأنفحة نجسة فجوز صلى الله عليه وسلم أكله ولم ينه عنه .

وعن ابن عمر : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك من عمل النصارى فدعا بسكين فسمى وقطع وأكل . أخرجه أبو داود (3819) وحسنه الألباني .

وأخرج أحمد والبزار عن ابن عباس : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في غزاة فقال : أين صنعت هذه ؟ فقالوا : بفارس ، ونحن نرى أنه تجعل فيها ميتة . فقال : اطعنوا فيها بالسكين واذكروا اسم الله وكلوا . مسند أحمد (1/302) وحسنه المحققون .

وعليه ؛ فإن جميع هذه المشروبات الغازية مثل " البيبسي كولا " و " السفن آب " و " الكوكا كولا " وغيرها..هي من المشروبات الطيبة التي أباحها الله لنا رغم أن موادها الأولية قد أذيبت بشيء يسير من الكحول . والله أعلم .

وفي كتاب الأطعمة من الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت ، تحت عنوان " الغازوزة " ما يلي :

" هي شراب حلو فيه قليل من الزيوت العطرية ، مشبع بغاز ثاني أوكسيد الكربون تحت ضغط أعلى من الضغط الجوي ، وقد تضاف إليه مواد أخرى تكسبه لونا أو طعما خاصا..

والزيوت العطرية الداخلة في صناعتها لا تمتزج بباقي موادها إلا إذا حلت بإضافة جزء من الغول ( الكحول ) إليها..والغول مسكر ، بل هو روح المسكرات كلها ، فهو نجس عند الجمهور ، وبه يتنجس الزيت والغازوزة فيحرم شربها .

هذا ما يبدو ولأول وهلة . لكن إذا أمعنا النظر أمكننا أن نقول : إن إضافة الغول إنما هي للإصلاح فشأنها شأن إذابة الأنفحة النجسة إلى اللبن ليصير جبنا . وقد قالوا : إن الأنفحة لا تنجس اللبن بل يعفى عنها .

هذا إذا قلنا إن الغول نجس ، فإن قلنا إنه طاهر كما قال الشوكاني ، وكما اختارته لجنة الفتوى في الأزهر فلا إشكال . والله أعلم " انتهى .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : أ - ما حكم الإسلام في أكل السمن الهولندي ؟

ب - ما حكم الإسلام في أكل الفسيخ والسردين ؟

ج - ما حكم الإسلام في شرب المشروبات المثلجة مثل : " البيبسي " ، و" سبورت كولا " مثلا .

فأجابوا :

"أ - الأصل في أنواع السمن الإباحة ، حتى يثبت ما ينقل عنها ، ولم نعلم حتى الآن ما ينقل عنها فتبقى على الأصل .

ب - الفسيخ والسردين أصلهما السمك ، والسمك حلال أكله ولو ميتة ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سئل عن ماء البحر : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )

فأكلهما إذن حلال .

ج - كل ما ذكرته حلال شربه ما دام لا يسكر كثيرة " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/314) .

وسئلوا أيضا (22/262) :

يثار كثير من الإشاعات عن السمن المستورد و " البيبسي " ، فكثيرا ما يسمع أن " البيبسي " والسمن تضاف إليه أشياء محرمة .

فأجابوا :

" أما ما يختص بالسمن المستورد و " البيبسي " فلم يتبين لنا فيها ما يقتضي التحريم ؛ لأن الأصل في الأشياء الحل حتى يتبين ما يوجب الحرمة ، لكن من حصل في نفسه ما يريبه فليدعه إلى ما لا يريبه ؛ للحديث الوارد في ذلك .

وقد كتبنا لوزارة التجارة بخصوص ما قيل عن السمن المستورد ، فأجابت بأنه خال مما يشاع عنه من خلطه بمحرم ، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه " انتهى .

وانظر جواب السؤال رقم (22013) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب