الحمد لله.
أولاً:
الألغاز أنواع ، منها المستحب ، ومنها المحرَّم ، ومنها المباح .
أما المستحب : فهو ما كان في العلم الشرعي ، تمريناً للسامع على إعمال فكره ، وبثّاً لروح التنافس بين السامعين .
فعَنْ عَبدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ، ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ ) . رواه البخاري ( 61 ) ومسلم ( 2811 ) .
قال النووي رحمه الله :
"وفي هذا الحديث فوائد منها : استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ، ويرغبهم في الفكر ، والاعتناء ، وفيه ضرب الأمثال والأشباه " انتهى .
" شرح مسلم " ( 17 / 154 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وفي هذا الحديث من الفوائد : امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى ، مع بيانه لهم إن لم يفهموه ، وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( نهى عن الأغلوطات ) قال الأوزاعي - أحد رواته - : هي صعاب المسائل : فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه ، أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول ، أو تعجيزه .
وفيه : التحريض على الفهم في العلم ، وقد بوَّب عليه المؤلف باب " الفهم في العلم " انتهى .
" فتح الباري " ( 1 / 146 ) .
وقال العيني رحمه الله :
"فيه استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ؛ ليختبر أفهامهم ؛ ويرغبهم في الفكر .
الثاني : فيه : توقير الكبار ، وترك التكلم عندهم .
الثالث : فيه : استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ، ولهذا تمنَّى عمر رضي الله عنه أن يكون ابنه لم يسكت .
الرابع : فيه جواز اللغز مع بيانه " انتهى .
" عمدة القاري " ( 2 / 15 ) .
ثانياً :
وأما اللغز المحرَّم ، فمنه : ما كان فيه تعرض لذات الله تعالى أو رسوله صلى الله صلى الله عليه وسلم أو دينه ، استخفافاً ، واستهزاءً .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
في بعض المجالس يحصل أن يتكلم أحد الحاضرين بكلام يقصد به التسلية ، أو يأتي به على هيئة ألغاز , ولكن يظهر للسامع أن به مساساً بالعقيدة , ومن ذلك أنه يقول : إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء ! ويقصد بذلك الزوجة ، والولد ، والله سبحانه وتعالى منزَّه عن الصاحبة ، والولد , كما يقول : لا حمدَ للاهي ، ولا شكر له ! وقصده اللاهي الذي ألهته دنياه عن آخرته , فما حكم الشرع في نظركم لذلك ؟ وما نصيحتكم لمن يقول مثل هذا الكلام ؟ .
فأجاب :
"أرى أن هذا الكلام حرام ؛ لأنه يوهم معنىً باطلاً ، وإن كان سوف يفسر ما يريد , لكن سيبقي الشيطان أثر ذلك في قلب المخاطب ، أو المستمع , وأنصح من يتكلم بهذا أن يقرأ قول الله تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/ 18 ، واعلم أن كلمتك هذه إن ترتب عليها كفر أو شك : فالحساب عليك ، فعلى كل مؤمن أن يحترم جانب الرب عز وجل , وأن يعلم أن الأمر خطير , ( رُبَّ كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً ) - والعياذ بالله - أو أكثر , فأرى أن هذا الكلام منكر , وأنه لا يحل للإنسان أن يلقيه , وأن على من سمعه أن ينصحه ، فإن اهتدى : فله ، ولمن نصحه , وإن لم يهتدِ : فإنه يجب عليه أن يغادر المكان الذي يلقى فيه مثل هذا الكلام " انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 106 / السؤال رقم 1 ) .
ثالثاً :
وأما النوع الثالث من الألغاز فهو الألغاز المباحة ، كالتي تشتمل على مواد حسابية ، أو ثقافية ، أو سياسية ، وغيرها ، وينبغي التنبه لشروط جوازه ، وهي :
1. عدم الإكثار منها ؛ لأن الإكثار مضيعة للوقت ، وهدر للطاقات ، وانشغال فيما لا طائل من ورائه .
2. أن تكون خالية من المقامرة ، ويجوز لطرف غير مشارك أن يعرض لغزاً ويعطي جائزة لمن يجيب عليه ، ويجوز أن تكون الجائزة من طرف مشارك على أن لا يُلزمهم بدفع شيء إن لم يجيبوا ، أو إن أجاب هو عليه ، ولا يجوز أن يدفع الطرفان مبلغاً يُعطى لمن يحل اللغز منهما ، وإلا كان هذا من المقامرة .
3. أن لا يصاحب عرض اللغز وحله سب أو شتم أو تحقير أو تجهيل ، وكلها أخلاق منافية لأخلاق الإسلام .
والله أعلم
تعليق