الحمد لله.
زيادة قوة محركات السيارات ينطوي على مفسدتين اثنتين :
الأولى : الإسراف المكروه : وهو من أسوأ المظاهر التي نراها في بعض المجتمعات ، وهي ظاهرة خطيرة على مستوى الأفراد والبلاد ، ولا يمكن تجاوز آثارها السيئة إلا بتضافر جهود الناس والمسؤولين وولاة الأمور ، كي نحفظ نعمة الله تعالى علينا بشكرها وتقديرها ، وليس بامتهانها وتبذيرها فيما لا ينفع ولا يفيد .
يقول الله عز وجل : ( وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء/ 26 ، 27 ، ويقول سبحانه وتعالى : ( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/ 31 ،
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ )
رواه النسائي ( 2559 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .
المفسدة الثانية : ما تجره سرعة السيارات من خطر عظيم على الأرواح والممتلكات ، حيث تكثر الحوادث ، ويزداد الأذى الذي يسببه بعض السائقين بسياراتهم ، بتحركاتهم المريبة المزعجة ، وتنافساتهم فيما بينهم ، ولا شك أن من أخطر ما تواجهه المجتمعات اليوم ، حوادث السيارات التي تسبب الموت أو العجز أو المرض ، والأعداد المرتفعة للحوادث سببها الرئيسي السرعة الزائدة .
لذلك ، فهذه دعوة إلى المسؤولين عن تنظيم قطاع المرور والنقل إلى إعادة النظر في القوانين المرورية ، كي تأخذ بأيدي الناس نحو العافية والسلامة : العافية من الإسراف والتبذير المقيتين ، والسلامة في الصحة والبدن ، وكل منهما من المقاصد الشرعية المهمة .
نستنتج مما سبق أن الحكم الشرعي لزيادة قوة محركات السيارات – زيادة خارجة عن المعتاد – : هو التردد بين الكراهة والتحريم ، وهذا الحكم يشمل الزيادة لأجل المشاركة في مسابقات السيارات ، أو لأجل الخروج في البر للقنص والصيد ، أو للزينة والشهرة والمفاخرة ، فكلها تشترك في علة الإسراف فيما لا ينبغي ، وكلها تنطوي على مخاطرة في سلامة الأموال والأبدان .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى حرمة الإسراف ، وليس الكراهة فقط ، وذلك أدعى للمرء أن يتورع عن الوقوع فيه .
قال المرداوي – رحمه الله - :
وأما الإسراف في المباح : فالأشهر لا يحرم ، قاله في الفروع ، وحرمه الشيخ تقي الدين – أي : ابن تيمية - .
" الإنصاف " ( 1 / 473 ) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة " ( 21 / 150 ) :
" الإنفاق من المال إذا زاد عن مقدار الحاجة فقد يكون محرما ، وقد يكون مكروها .
انتهى باختصار .
وانظر جواب السؤال رقم ( 85345 ) .
والله أعلم
تعليق