الحمد لله.
البحث في هذه اللعبة يشكل جزئية صغيرة من مفردات البحث في تأثير الثقافة على مخرجات الحضارات والمجتمعات ، وفي اصطباغها بطرائق التفكير ومبادئ الاعتقاد التي تحملها تلك الحضارة ، إذ لا يمكن الفصل – لا عقلا ولا واقعا – بين الفكر والإنتاج ، ولا بين العقيدة والسلوك ؛ لأن الطبيعة البشرية غير قادرة على التحرر من قيود الموروث الثقافي الذي نشأت وتربت عليه .
ومن هنا يبدأ النظر في جميع أشكال الألعاب المستوردة من الشرق أو الغرب .
فقد نبه كثير من التربويين إلى صور من السلوك والأخلاق التي تحملها أنواع الألعاب والأفلام الكرتونية الوافدة ، ووجدوها غريبة عن ثقافة المسلمين ، بعيدة عن القيم التي تستمدها قلوبهم وعقولهم من مشكاة الوحي ونور النبوة ، حتى اتسع الأمر ، فلا يكاد أحد يحصي أوجه الخلفيات العقائدية والثقافية للألعاب والأفلام الوافدة ، ولم تعد عملية الانتقاء تجدي كثيرا من النفع في ظل هذا التدفق الهائل عبر وسائل الإعلام اليوم .
و" اليوغي " بجميع أشكاله – سواء كان فلما كرتونيا أو لعبة إلكترونية أو لعبة يدوية على شكل بطاقات – واحدٌ من وجوه التأثير العقائدي في برامج الأطفال الموجهة ، وإن كنا لا ندعي لزوم تعمد إخفاء التوجيه الفكري المؤثر في برامج الأطفال جميعها ، ولكننا نتحدث عن واقع مشاهَدٍ بغض النظر عن دوافعه وأسبابه .
فأنت حين تشاهد حلقات من المسلسل الكرتوني " يوغي يوه " - وهي التي تحكي لك بوضوح أحداث هذه الخرافة - لا تكاد تستوعب الكمَّ الهائل من خليط الأساطير والخيالات التي بنيت عليها فكرة " اليوغي "، تتشابك فيها العقائد الوثنية والبوذية والفرعونية والإلحادية والنصرانية وغيرها ، لتخرج بمزيج لا يطيقه عقل الكبير فضلا عن الصغير المستسلم لما يتسارع أمام عينيه من أحداث وألغاز وأسرار .
تبدأ القصة من ذهاب البطل " يوغي يوه " إلى مصر الفرعونية ليحصل على بطاقات " اليوغي " التي تحمل صورا من الوحوش والأرواح والأشكال الغريبة ، ولكلٍّ طاقةٌ محددة على كل بطاقة ، ليحارب بها الشر وينشر الخير ، فتبدأ معركة الوحوش التي تحملها ، ثم انتقلت هذه المعركة إلى أيدي الأطفال والأولاد عن طريق بطاقات " اليوغي " التي يتنافسون في شرائها وتحصيلها .
وكي نكون أكثر موضوعية ، وأكثر اعتدالا ، ونبتعد عن طرفي الإفراط والتفريط في التعامل مع كل وافد غريب ، لزم أن نقسم الأوجه التي تقوم عليها الألعاب والبرامج إلى ثلاثة أركان رئيسة :
الأول : القصة والأفكار التي تحكيها أحداث الفلم الكرتوني ومراحل اللعبة .
الثاني : الآليات والوسائل التي تنفذ فيها أحداث القصة وتُؤدَّى بها مراحل اللعبة .
الثالث : الهدف والغاية التي تصل إلى ذهن المتلقي وعقله بعد إتمام اللعبة .
ومناط الحكم الشرعي بالتحليل أو التحريم لا بد أن يراعى فيه الجوانب الثلاثة كلها ؛ لأن الشريعة لا تقتصر في بناء أحكامها على الصورة الظاهرة ، بل تعتبر الخلفيات المؤثرة ، كما تعتبر المآلات المتوقعة ، كما تقرر القاعدة المشهورة : " الأمور بمقاصدها "
وفي لعبة " اليوغي " نجد الفساد في الجوانب الثلاثة :
أما فساد القصة والفكرة :
فهي مليئة بمناقِضات العقيدة الإسلامية ، تجد في بطاقاتها أسماءَ آلهة كثيرة ، منها " إله الأفعى " مثلا ، وبعض الأشياء أزلية في تصويرهم ، كبطاقة " الإبريق الأزلي " ، وفيها بطاقات " سحرية " كـ " الفارس السحري " الذي كتب عنده بأنه " حافظ الكرسي الملكي " ! ، ومنها ما كتب عليها كلام يشبه الطلاسم السحرية الحقيقية ويخشى من تأثيرها على قارئها ، ومن البطاقات ما تحمل اسم " ملاكة كبيرة " فتصور الملائكة بالنساء الجميلات ، كما أن في بعضها ما يُظهر عقيدة تناسخ الأرواح ، والقدرة على الخلق والإيجاد من العدم ، وكلها تصور الحياة بقدر من النقاط يمكن زيادته وإطالته كما يمكن نقصه وفقده ، إلى أشياء كثيرة تهول الناظر فيها ، فلا يكاد يحصي فسادها وخروجها عن مسلمات العقيدة الإسلامية .
وذلك لا يعني تحريم الخيال في ألعاب الأطفال و" أفلام الكرتون " ، فهو مفيد في توسيع المدارك وتعليم التفكير ، وخاصة الخيال العلمي ، وله شاهد في اللعب التي كانت عند عائشة رضي الله عنها ، فقد كان منها فرس له جناحان ، فَقَالَ لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ ؟ قَالَتْ : جَنَاحَانِ . قَالَ : فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ !! قَالَتْ : أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ ! . قَالَتْ : فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ ) رواه أبو داود (4932) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
لكن الذي ننكره أن يبلغ الخيال حد التعدي على مقام الألوهية وثوابت العقيدة ، وأن يخرج إلى تقرير الكفر الذي نعاه القرآن الكريم على أصحابه .
وأما فساد الآلية والوسيلة :
فهي لعبة تعتمد على الحظ في جزء كبير منها ؛ لأن أوراق البطاقات توزع على اللاعبين عشوائيا ، ثم يبدؤون في اللعب بها بحسب ما تحمله البطاقات المسحوبة ، وقد نص فقهاء الشافعية على حرمة اللعب بكل ما معتمده الحزر والتخمين ، قياسا على حرمة اللعب بالنرد الوارد في النصوص .
جاء في "نهاية المحتاج" للرملي (8/295) :
" ( ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح ) لخبر مسلم : ( من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ) وفي رواية لأبي داود : ( فقد عصى الله ورسوله )
ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق .
قال الرافعي ما حاصله : ويقاس بهما ما في معناهما من أنواع اللهو , فكل ما اعتمد الحساب والفكر - كالمنقلة : حفر أو خطوط ينقل منها وإليها حصى بالحساب ـ لا يحرم ، ومحلها في المنقلة إن لم يكن حسابها تبعا لما يخرجه الطاب الآتي وإلا حرمت - , وكل ما مُعتَمَدُهُ التخمين يحرم , ومن القسم الثاني ـ كما أفاده السبكي والزركشي وغيرهما ـ : الطاب وهو عصى صغار ترمى وينظر للونها ويرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه , ومن ذلك أيضا الكنجفة – وهي أوراق فيها صور ، كما في الحاشية - " انتهى .
كما أن كثيرا من اللاعبين بـ " اليوغي " يلتزمون العوض في لعبهم ، فالفائز يحصل على بطاقة نادرة أو قوية ، قد تباع في السوق بمبالغ كبيرة ، فضلا عن أن الورق الملعوب به كله يشترى ويباع ، وترتفع قيمة البطاقة بحسب قوة الطاقة التي تحملها ، وهذه صور من الميسر الذي جاءت الشريعة بتحريمه تحريما قطعيا .
وأخيرا : في " اليوغي " أيضا فساد الهدف والغاية والأثر :
فهي تغرس في ذهن الممارس والمشاهد الأفكار التي تحملها ، وكثيرا ما يتدرج ذلك في نفوسهم من غير شعور ، فتجري على ألسنتهم كلمات استدعاء الوحوش والآلهة أو البعث من القبور – إذ يعتاد اللاعبون على إخراج البطاقات التي ذهبت إلى المقبرة بطرق معينة - ، فتتشكل في عقلية المُتَلَقِّين – وهم هنا فئة الفتيان والأطفال بل وبعض الشباب – صورٌ من الأوهام التي تؤثر في قابل الأيام على العقل الباطن في فكره وعقيدته وإنتاجه .
وفي هذا الرابط فتوى لبعض أهل العلم في هذه اللعبة :
والله أعلم
.
تعليق