الحمد لله.
" التوبة والإنابة قربة أمر الله بها في قوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31 ، وقوله : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/54 ، فلا يكون ذلك لأحد من خلقه ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وكذا الحسب والكفاية لا يكونان إلا من الله تعالى ، ولذلك أثنى الله على أهل التوحيد ، حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران/173 ، ولم يقولوا : حسبنا الله ورسوله ، قال ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)الأنفال/64 ، أي : الله كافيك ، وكافي أتباعك ، فلا تحتاجون معه إلى أحد . وذكر أن هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم خَطَّأ من قال : المعنى : حسبك الله وحسبك المؤمنون ، وعلل ذلك بأن الحسب والكفاية لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة ، قال الله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) الأنفال/62 ، ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب لله وحده ، وجعل التأييد له بنصره وبعباده ، وأثنى على أهل التوحيد من عباده ، حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران/173 ، ولم يقولوا حسبنا الله والرسول ، ونظير هذا قوله ، (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) التوبة/59 ، فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول ، وجعل الحسب له وحده فلم يقل : ( وقالوا حسبنا الله ورسوله) بل جعله خالص حقه ، كما قال : (إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) التوبة/59 ، فجعل الرغبة إليه وحده ، كما قال : (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) الشرح/8 ، فجعل الرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده ، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلف لا يكون إلا له سبحانه وتعالى . اهـ .
وبهذا يعلم أن ما يقوله بعض الناس عند التوبة : (تبت إلى الله والرسول) أمر لا يجوز ، وكذا قولهم : (حسبنا الله والنبي) لا يجوز ، بل ذلك شرك ، وكذا قول بعضهم في وداع المسافر : (أستودعك الله ورسوله) ؛ لما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفراً : ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا ، فيقول : (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ) .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/298) .
تعليق