الحمد لله.
أولا :
المسابقات التي تقام بين الشعراء ، يشترط لجوازها أن يكون موضوع الشعر مباحاً ، ليس محرماً ولا مكروهاً .
فإذا كان الموضوع يحث على مكارم الأخلاق ، والتمسك بهذا الدين الحق ، وبذل الجهد في نصرته ، وبيان محاسنه ، وبطلان الأديان الأخرى ، فلا بأس بهذه المسابقات .
بل فيها مصلحة شرعية ، وقد كان شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم كحسان بن ثابت ينصرون الإسلام ويجاهدون أعداءه بألسنتهم .
أما إذا كان الموضوع محرماً أو مكروهاً ، كالعشق ووصف أحوال العاشقين ، ووصف الخمر، والتغزل الفاضح بالنساء ، أو إثارة العصبية القبيلة ، أو الوطنية ، أو هجاء من لا يستحق الهجاء ، أو مدح من لا يستحق المدح ونحو ذلك ، فهذه المسابقات محرمة ، ولا يجوز الاشتراك فيها ، أو الإعانة عليها بأي وجه من وجوه الإعانة ، لقول الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2 .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجلين تراهنا في عمل زجلين (كلام موزون يشبه الشعر) ولكل منها جماعة يتعصبون له ، وفي زجلهما التغزل في المردان ، ونحو ذلك .
فأجاب : "الحمد لله . هؤلاء المتغالبون بهذه الأزجال ; وما كان من جنسها هم والمتعصبون من الطرفين ; والمراهنة في ذلك وغير المراهنة : ظالمون معتدون آثمون مستحقون العقوبة البليغة الشرعية التي تردعهم وأمثالهم من سفهاء الغواة العصاة الفاسقين عن مثل هذه الأقوال والأعمال التي لا تنفع في دين ولا دنيا ; بل تضر أصحابها في دينهم ودنياهم . وعلى ولاة الأمور وجميع المسلمين الإنكار على هؤلاء وأعوانهم ; حتى ينتهوا عن هذه المنكرات ويراجعوا طاعة الله ورسوله وملازمة الصراط المستقيم الذي يجب على المسلمين ملازمته ; فإن هذه المغالبات مشتملات على منكرات محرمات ; وغير محرمات بل مكروهات ، وهذه الأقوال فيها من وصف المردان وعشقهم ; ومقدمات الفجور بهم ما يقتضي ترغيب النفوس في ذلك ; وتهييج ذلك في القلوب . وكل ما فيه إعانة على الفاحشة والترغيب فيها : فهو حرام ، وهؤلاء من المضادين لله ولرسوله ولدينه . ويدعون إلى ما نهى الله عنه ; ويصدون عما أمر الله به ، ويصدون عن سبيل الله ؛ ويبغونها عوجا .
والمغالبة بمثل هذا توقع العداوة والبغضاء ، وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهذا من جنس النقار بين الديوك ، والنطاح بين الكباش ; ومن جنس مغالبات العامة التي تضرهم ولا تنفعهم ، والله سبحانه حرم الخمر والميسر . والميسر هو القمار ; لأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء ، وهذه المغالبات تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء " انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (32/249-255) .
ثانياً :
لو سَلَّمنا أن موضوع هذه الأشعار مباح ، فإن هذه المسابقات قد تضمنت جملة من المحاذير الشرعية ، منها :
1- النظر إلى وجوه النساء المتبرجات ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور/30 .
2- سماع الأغاني والمعازف ، وقد سبق بيان تحريمها وأدلة ذلك في جواب السؤال رقم (5000) .
3- التعصب للقبيلة أو البلد ، وقد روى البخاري (4905) ومسلم (2584) عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟ دَعُوهَا ، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ).
فإذا كان التعصب لاسم "المهاجرين" و "الأنصار" مع شرفهما : محرماً ، ودعوى الجاهلية ، فالتعصب لمجرد القبيلة أو البلد أشد تحريماً .
4- إرسال الرسائل ذات التكلفة العالية ، لترشيح شاعر من الشعراء للفوز بجائزته ، داخل في الإسراف والتبذير المنهي عنهما ، وقد قال تعالى : (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27.
وقال تعالى : (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141 .
وروى البخاري (5975) ومسلم (593) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ َكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ).
وروى الترمذي (2416) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ) صححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 126 ) .
5- تضمنها شهادة الزور ، لأن الواجب على من يشارك في هذه المسابقات أن يشهد بالعدل بأن فلاناً هو الأحسن ، أما ترشيحه لفلان للجائزة من أجل بلده أو قبيلته أو غير ذلك من الاعتبارت فهو داخل في شهادة الزور .
فهذه جملة من المحاذير التي تضمنتها مثل هذه المسابقات .
ولهذا ينصح القائمون على هذه البرامج بتقوى الله تعالى ، وعدم تشجيع الناس على المحرمات.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
تعليق