الحمد لله.
نسأل الله تعالى لنا ولك العافية من كل بلاء ، والشفاء من كل داء .
ونوصيك – أخانا السائل – بالصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل ، فهو سبحانه يحب الصابرين ، ويثيب الشاكرين ، والابتلاء سنته في الحياة الدنيا ، وهو رحمة للمؤمنين ، ونقمة على الكافرين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999).
ثم اعلم أن الأمر يحتاج إلى شيء من المجاهدة والمصابرة ، وهكذا هو الشأن في جميع المشكلات النفسية أو الاجتماعية ، فالنفس تؤخذ بالتربية المتدرجة كي تعتاد أمرا جديدا أو تنصرف عن أمر قبيح ، ولها في ذلك بعض الأسرار التي يعرفها كل واحد في نفسه ، فلا بد أن يستفيد منها كي يبلغ مراقي النجاح والفلاح والعافية التي يريد .
والأرق حالة نفسية تسبب استعصاء النوم أو تَقَطُّعَهُ أو خِفَّتَه ، وهو مرض عصري يصيب الكثير من الناس لأسباب مختلفة ، منها أسباب نفسية : كالضغوط ، والهموم ، والقلق ، والوسواس ، ونحوها ، وبعض أسبابه عضوية بسبب اختلال في أداء بعض الأعضاء لوظائفها ، أو تأثير بعض المواد المنبهة عليها كـ " النيكوتين " الموجود في الدخان ، والقهوة والشاي وغيرها من المنبهات .
وتبعا للأسباب التي تؤدي إلى هذا المرض ، يمكننا تقسيم أنواع العلاج إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : العلاج الشرعي :
ونعني به تحصيل طمأنينة القلب التي تدفع عن النفس كل هم أو غم أو وسواس ، فالقلب الذي يعمره حب الله ورجاؤه والخوف منه والإنابة إليه أثبت من القلوب المنغمسة في الدنيا ، المعرضة عن الآخرة .
وتحقيق هذه الطمأنينة يكون بالمحافظة على الفرائض ، واجتناب المعاصي التي لا تزال تنخر في القلب حتى يسقط في أوديةٍ مُرديةٍ مُظلمةٍ وهو لا يشعر ، ثم بالإحسان إلى الناس بالخُلُقِ الحسن والمعاملة الطيبة ، وبالحرص على تلاوة القرآن الكريم ، والتعلق بكتاب الله عز وجل ، فقد قال الله عز وجل في وصفه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يونس/57 ، ومن ذلك أيضا المحافظة على الأذكار والأوراد الشرعية ، كأذكار الصباح والمساء ، وأذكار النوم والاستيقاظ والطعام ونحوها ، والله عز وجل يقول : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28
ثم لا بد أن يصحب ذلك كله تذلل القلب لله سبحانه ، واستشعار محبته وقربه ، والإخلاص له في السر والعلن رجاء تحقيق العبودية التي هي سر النجاح والفلاح يوم القيامة .
وفي موقعنا مجموعة من الأجوبة التي تعينك – إن شاء الله – على تحقيق العلاج الشرعي ، فانظر الأجوبة الآتية : (45847) ، (20130) ، (21515) ، (21677) ، (21843) ، (22704) ، (30901) .
النوع الثاني : العلاج النفسي .
وذلك بالسعي لتخليص النفس من اضطرابها وقلقها ، ولن يتم لك ذلك – أخانا السائل – إلا حين تؤمن إيمانا صادقا بضعة الدنيا وتفاهتها وصغر شأنها ، وأنها ( لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) ، فهي أحقر من أن يهتم المسلم لما فقد منها أو يخاف على ما حَصَّلَ فيها ، وينبغي أن يصاحب ذلك القناعة التامة بما قسم الله ، والرضى بقضائه وقدره ، فهي أسباب عزة المؤمن وسعادته ، وإدخال هذه المعاني إلى النفس يحتاج إلى شيء من المجاهدة ، بتكرار الحديث مع النفس بها ، وقراءة الكتب التي تقررها ، وتدبر آيات القرآن الكريم التي تفيض بتقريرها ، حتى تغدو سجية في النفس لا تفارقها في حلها وترحالها .
النوع الثالث : العلاج السلوكي .
وهذا ما ينبغي أن تطلب فيه نصيحة الطبيب أو المستشار النفسي ، فإن بعض الجوانب السلوكية أو الأسباب العضوية قد تخفى على الناس ، في حين يعرفها الطبيب الحاذق بما علمه الله تعالى من شأن النفس البشرية ، فقد يجد لك علاجا في بعض الأطعمة التي تساعد على النوم الصحي ، كما قد يكتشف في بعض العادات التي تمارسها أخطاء تؤدي إلى القلق والأرق ، وفي الحالات المزمنة والمستعصية من الأرق يمكن للطبيب الاستعانة بشيء من الأدوية المهدئة التي تخفف الضرر وتدفع الأذى .
يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى متفرقات/الوساوس والأمراض النفسية ) :
" إن هذه الحال التي قصها السائل قد تعرض لكثير من الشباب ، بسبب الإرهاق الفكري أو البدني ، والدواء لذلك أن يعطي الإنسان نفسه من الراحة ما تستريح به ، وأن يكثر من ذكر الله وقراءة القرآن ، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم دائماً ، وأن يلزم الاستغفار ؛ لأن الاستغفار من أسباب حصول الخير واندفاع الشر ، وأن يحرص على مصاحبة الأخيار من بني جنسه ، فإن الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن يبيعك وإما أن تجد منه رائحة طيبة ، وليُعرض عن تذكر هذه الحال ؛ لأن تذكر الشيء ينتقل به المتذكر من الخيال إلى الحقيقة ، فإذا أعرض عنه وتناساه فإنه بإذن الله يزول عنه " انتهى .
ولا يفوتنا التنبيه هنا إلى ضعف ما رواه بعض أهل العلم من أذكار قبيل النوم للتخلص من الأرق ، فقد عقد الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص/70) بابا قال فيه :
" باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم :
روينا في كتاب ابن السني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال :
( شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرقا أصابني ، فقال : " قل : اللهم غارت النجوم ، وهدأت العيون ، وأنت حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم ، يا حي يا قيوم أهدئ ليلي ، وأنم عيني ، فقلتها ، فأذهب الله عز وجل عني ما كنت أجد )
وروينا فيه عن محمد بن يحيى بن حبان - بفتح الحاء والباء الموحدة - أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أصابه أرق ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامات من غضبه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين ، وأن يحضرون " هذا حديث مرسل ، محمد بن يحيى : تابعي .
وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف ، وضعفه الترمذي ، عن بريدة رضي الله عنه قال : ( شكا خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ما أنام الليل من الأرق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أويت إلى فراشك فقل : اللهم رب السموات السبع وما أظلَّت ، ورب الأرضين وما أقلَّت ، ورب الشياطين وما أضلَّت ، كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو أن يبغي علي ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك ، ولا إله إلا أنت ) " انتهى .
وهذه أحاديث ضعيفة : حكم عليها أهل العلم بذلك ، كابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/114) وفي "المطالب العالية" (4/20) والألباني في "السلسلة الضعيفة" (2403) وغيرهم .
والله أعلم .
تعليق