السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

تحريم الغدر والخيانة على من دخل دار الكفر بأمان

109251

تاريخ النشر : 24-08-2008

المشاهدات : 26910

السؤال

نحن الجالية الإسلامية المقيمة في .... ونعمل في قطاع التجارة. هناك قانون تجاري في البلد يسمح للتاجر المستورد بأن يحصل على الدولار الأمريكي من الدولة بقيمته عند الدولة ؛ إذا استورد بعض المواد المحددة في القانون, علماً أن قيمة الدولار في السوق السوداء ضعف قيمته المحددة من قبل الدولة . فقام بعض التجار باستغلال هذا القانون ( تزويراً وغشاً ) للحصول على أكبر كمية من الدولار من الدولة, وبسعر الدولة, لبيعه بعد ذلك بضعف قيمته في السوق السوداء والاستفادة من فارق السعر. ويتم الأمر على النحو التالي: يأتون بكونتينر ( حاوية بحرية لنقل البضائع ) ملابس مثلاً, فيتحايلون على القانون بدفع الرشوة ونحو ذلك ؛ لأن الملابس غير مشمولة بالقانون السابق فيزورون في صفتها لتتوافق مع البضائع المشمولة بالقانون فيزعمون أنها أجهزة تلفاز مثلاً. كما يزورون بقيمة الفواتير, فإذا كانت مثلاً قيمة الكونتينر ( 40.000 ) ألف دولار, يجعلون الفاتورة ( 500.000 ) ألف دولار أو أكثر أو أقل. فما الحكم هنا ؟ علماً بأن البعض يزعم بأن هناك فتاوى تجيز خديعة الكافر وأخذ المال منه . ثانياً: التاجر الصادق الذي يلتزم بالقانون في عمله لا يستطيع المنافسة وبالتالي خسارته حتمية, كون الذي زور وغش واستورد نفس بضاعته تصبح قيمة بضاعته صفراً, فيبيعها بأي ثمن, فكيف للتاجر النظامي أن ينافسه ؟ فيتساءل بعض التجار: بأن هناك رشاوى لا بد منها حتى ولو كان عملك نظامياً, فهل له أن يزيد في قيمة الفاتورة بقدر قيمة الرشاوى, مثلاً خمسة في المائة. وهل يمكن له إبقاء قيمة الفاتورة نظامية ولكن يزور نوعية البضاعة كي تدخل على البلد, فيستفيد من أخذ الدولار بسعر الدولة؛ كي يستطيع المنافسة وبالتالي العمل ؟! وأود أن أشير هنا إلى أن هذا الفعل من قبل البعض قد أساء بشكل كبير على اقتصاد البلد وعملته الوطنية وسبب نوعاً من الحساسية من قبل أبناء البلد تجاه العرب والمسلمين, وأعطى صورة مشينة لنا حيث أظهرنا بمظهر السارقين. نحن في أمس الحاجة لمعرفة الفتوى لهذه المسألة حتى لا يخالطنا الحرام, خاصة أننا في بلد قل فيه أهل العلم .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
ما ذكرته من قيام بعض التجار بإحضار بضائع غير مشمولة بالقانون المشار إليه ، وتسجيلها بأسماء بضائع أخرى يشملها القانون ، والتلاعب بقيمة الفواتير ، بغية الحصول على الدعم الحكومي ، كل ذلك من الكذب والغش والتزوير ، وهو محرم ، سواء كان مع مسلم أو كافر .
والمسلم إذا دخل بلاد الكفار بأمان ، لم يجز له أن يأخذ شيئا من أموالهم ، وإلا كان خائنا آثما ، فلا يُلتفت إلى ما يشاع من الفتاوى الجاهلة في هذا الباب .
ودخول البلد بتأشيرة الزيارة أو الإقامة له حكم الدخول بأمان ، لأن معنى هذه التأشيرة التي تمنحها الدولة : أن الدولة قد التزمت تجاه صاحب هذه التأشيرة بتأمينه والدفاع عنه وعن ماله ، والتزمت بأن تحميه فلا يعتدي عليه أحد .
وإذا كانت تلك الدولة قد أمَّنت المسلم إذا دخل إليها ، فيجب أن يؤمنها هو أيضاً ، فلا يعتدي عليها أو على أحد من أهلها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/237) : "من دخل إلى أرض العدو بأمان , لم يخنهم في مالهم , ولم يعاملهم بالربا .
أما تحريم الربا في دار الحرب , فقد ذكرناه في الربا , مع أن قول الله تعالى : (وحرم الربا) وسائر الآيات والأخبار الدالة على تحريم الربا عامة تتناول الربا في كل مكان وزمان .
وأما خيانتهم , فمحرمة ; لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم , وأمنه إياهم من نفسه , وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ , فهو معلوم في المعنى , ولذلك من جاءنا منهم بأمان , فخاننا , كان ناقضا لعهده . فإذا ثبت هذا , لم تحل له خيانتهم , لأنه غدر , ولا يصلح في ديننا الغدر , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (المسلمون عند شروطهم) . فإن خانهم , أو سرق منهم , أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه , فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان , رده عليهم , وإلا بعث به إليهم ; لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه , فلزمه رد ما أخذ , كما لو أخذه من مال مسلم " انتهى .
وقال في "الدر المختار" مع حاشية ابن عابدين (4/166) : "[إذا] دخل مسلم دار الحرب بأمان حرُم تعرضه لشيء من دم ومال وفرج منهم ، إذ المسلمون عند شروطهم " انتهى .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (20/190)، (31/144) ، وفيها حكاية الاتفاق على تحريم الغدر والخيانة ممن دخل دار الحرب بأمان.
ثانيا :
لا يجوز لأحد من التجار أن يزوّر في قيمة الفواتير أو نوع البضاعة ، ولو كان ذلك لتدارك ما ذكرته من الخسارة ، فإن هذا غاية ما يريده الشيطان من الفساد والإفساد ، وهو ارتكاب البعض للحرام ، وجر الآخرين إليه بمثل هذه الذرائع .
فالواجب تقوى الله تعالى والوقوف عند حدوده ، وطلب الرزق الحلال ، وعدم مشايعة أهل الباطل على باطلهم ، لا سيما وقد كان هذا سببا للتشنيع على المسلمين والحط عليهم ، والتنفير من دعوتهم .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب