الحمد لله.
أولاً :
إن للأم منزلة في شرع الله تعالى لا تُنكر ، وقد أوجب الله على أولادها برَّها ، وحرَّم عقوقها ، وجعلها أولى الناس بحسن الصحبة ، كما في الحديث المعروف ، لما قال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أَبُوكَ ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ) رواه مسلم ( 2548 ) .
وهذا الحق للأم ، وتلك المنزلة التي لها : لا تبيح لها أكل مال أولادها بغير حق ، بل يجب عليها أداء الحقوق لأصحابها ، وتقسيم التركة وفق شرع الله تعالى ، كما لا يبيح للأم أن تخبب ابنتها على زوجها ، وتفسد ما بينهما من حسن عشرة ، وهذه الأفعال من تلك الأم منكرة يأباها الشرع المطهر ، ويتوعدها عليها بالإثم والعقوبة .
ولعلَّ من أعظم البر الذي تقدمينه لأمك هو نصحها و تذكريها بإثم الإفساد بين الزوجين ، وإثم الغيبة ، والسب والشتم ، وأكل أموال الناس بالباطل ، ودعوتها إلى التوبة من ذلك ، بأسلوب رقيق مهذب يراعي مكانتها وحقها في البر والإحسان .
ثانياً:
تلك المنزلة للأم ، وذلك الحق الذي لها : لا يفوق حق زوجك ، بل إن حق زوجك أعظم ، وهو يقدم على حق والدتك ، وطاعتك له تقدَّم على طاعتها ، والزوجة العاقلة تحاول إرضاء زوجها بما يرغب به مما لا يخالف الشرع ، وتسعى إلى بر والدتها بما لا يخالف أمر زوجها ، فإذا تعارض الأمران والإرادتان : فإنها تقدم أمر وإرادة زوجها .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
في امرأة تزوجت ، وخرجت عن حكم والديها ، فأيهما أفضل : برها لوالديها ؟ أم مطاوعة زوجها ؟ .
فأجاب : " المرأة إذا تزوجت : كان زوجها أملك بها من أبويها ، وطاعة زوجها عليها أوجب ، قال الله تعالى : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك)، وفي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلَّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ) ، وفي الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة ) أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ، وأخرجه أبو داود ولفظه : ( لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحقوق ) ، وفي المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحه تجري بالقيح والصديد ثم استقبله فلحسته ما أدت حقه ) ... .
– وساق رحمه الله أحاديث في فضل طاعة الزوج - .
والأحاديث في ذلك كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال زيد بن ثابت : الزوج سيِّدٌ في كتاب الله ، وقرأ قوله تعالى : ( وألفيا سيدها لدى الباب ) ، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق ، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوانٍ ) .
فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق ، والأسير ، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه ، سواء أمرها أبوها ، أو أمها ، أو غير أبويها ، باتفاق الأئمة .
وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه ، وحفظ حدود الله فيها ، ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك : فعليها أن تطيع زوجها ، دون أبويها ؛ فإن الأبوين هما ظالمان ، ليس لهما أن ينهياها عن طاعة مثل هذا الزوج ، وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه ، أو مضاجرته حتى يطلقها ، مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما تطلبه ليطلقها ، فلا يحل لها أن تطيع واحداً من أبويها في طلاقه إذا كان متقيّاً لله فيها .
ففي السن الأربعة وصحيح ابن أبي حاتم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) ، وفي حديث آخر : ( المختلعات والمتبرعات هن المنافقات ) .
وأما إذا أمرها أبواها أو أحدهما بما فيه طاعة لله ، مثل المحافظة على الصلوات ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، ونهوها عن تبذير مالها ، وإضاعته ، ونحو ذلك مما أمرها الله ورسوله ، أو نهاها الله ورسوله عنه : فعليها أن تطيعهما في ذلك ، ولو كان الأمر من غير أبويها ، فكيف إذا كان من أبويها ؟ .
وإذا نهاها الزوج عما أمر الله ، أو أمرها بما نهى الله عنه : لم يكن لها أن تطيعه في ذلك ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ، بل المالك لو أمر مملوكه بما فيه معصية لله : لم يجز له أن يطيعه في معصيته ، فكيف يجبر أن تطيع المرأة زوجها أو أحد أبويها في معصية ؛ فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله ، والشر كله في معصية الله ورسوله " انتهى . " مجموع الفتاوى " ( 32 / 261 – 264 ) .
وهذا جواب علمي متين ، كافٍ لبيان المقصود ، وهو أنه لا يحل لوالدتك الإفساد بينك وبين زوجك ، وأنه لا يحل لك طاعتها في هذا ، وأن حق الزوج وطاعته أعظم من حق والدتك وطاعتها .
ثالثاً:
ليس للزوجة أن تسافر دون إذن زوجها ، ولا أن تدخل في بيته من يكره ، ولا تطيع أمها في شيء من ذلك لما سبق من أن طاعة زوجها آكد عليها .
وعليه فلا يلزمك
السفر بأولادك لزيارة أمك ، ولا يجوز لك ذلك إلا إذا أذن زوجك .
رابعاً:
الذي يظهر أن القرض الربوي الذي جاء في سؤالك : إنما إثمه ورده عليك ؛ لأنك كنتِ
بالغة ، ومسئولة عن تصرفاتك ، وينبغي أن تعجلي بسداده حتى لا
تتضاعف عليك الفوائد الربوية ، مع ضرورة التوبة
الصادقة ؛ لأن الربا من كبائر الذنوب .
ونسأل الله أن يهدي والدتك ، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير .
وانظري جواب السؤال رقم : (
96665 ) ففيه
بيان أسباب تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة ، وطريقة علاج ذلك .
والله أعلم
تعليق