الحمد لله.
أولاً :
علاج الوسوسة بأمرين يسيرين :
الأول : الإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته ، فهذا سبيل راحة النفس واستقرارها وطمأنيتها ، ودفع أذى الشيطان ووسوته ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 ، وقال : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) النحل/97 . 99 ، وقال سبحانه : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) سورة الناس .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : " قال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خَنَس . وكذا قال مجاهد، وقتادة .
وقال المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : ذُكرَ لي أن الشيطان ، أو الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح ، فإذا ذكر الله خنس " انتهى .
والأمر الثاني : هو الإعراض عن الوسوسة ، والتشاغل عنها ، وعدم الالتفات إليها ، وترك التجاوب معها ، فهذا كفيل برفعها والعافية منها .
وهذا الدواء وإن كان صعبا في بادئ الأمر ، فإنه سهل يسير بعد ذلك ، وما عليك سوى الاجتهاد وبذل الوسع ، وسؤال الله تعالى العون . قال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69 .
وقد سئل ابن حجر المكي رحمه الله : عن داء الوسوسة هل له دواء ؟
فأجاب : "له دواء نافع ، وهو الإعراض عنها جملة كافية ، وإن كان في النفس من التردد ما كان ، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت ، بل يذهب بعد زمن قليل ، كما جَرَّب ذلك الموفقون ، وأما من أصغى إليها وعمل بقضياتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين ، بل وأقبح منهم ، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/149) .
ثانياً :
يحصل الطهر من الحيض بإحدى علامتين :
الأولى : الجفاف التام بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ، لا أثر عليها من دم أو صفرة أو كدرة .
والثانية : نزول القصة البيضاء ، وهي ماء أبيض تعرفه النساء .
ولا ينبغي التعجل في الغسل حتى يحصل اليقين بالطهر ، قال البخاري رحمه الله في صحيحه : "بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ : لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ . تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ" .
ورواه مالك في الموطأ برقم (130) .
والدُّرْجة : هو الوعاء الذي تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها ، والكرسف : القطن ، والصفرة : الماء الأصفر .
ثالثاً :
إذا رأيت الجفاف التام ، واغتسلت ، ثم نزلت كدرة أو صفرة ، فلا يضرك ذلك ؛ لأن الصفرة أو الكدرة بعد الطهر ليست حيضا ؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت : (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . رواه أبو داود (307 ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وليس هناك تقصير أو إثم على من أخرت الغسل والصلاة حتى تتأكد من طهرها ، بل هذا هو الواجب عليها ؛ لحرمة الصلاة حال الحيض .
رابعاً :
على فرض أنك اغتسلت قبل الطهر الصحيح ، ثم لم تعيدي الغسل ، فلا يصح صومك اليوم الأول والثاني ، لأنك كنت حائضاً ، أما ما بعد ذلك من الأيام فصومها صحيح ، لأن الصوم لا يشترط له الغسل من الحيض ولا من الجنابة .
وعلى هذا ؛ فإن كنت رأيت الجفاف التام فاغتسالك صحيح ، وصومك صحيح .
وإن كنت تعجلت واغتسلت وصمت قبل حصول الجفاف التام فعليك قضاء صوم اليومين الأول والثاني ، وأما بقية الشهر فصيامك صحيح ، ولا يلزمك فيه شيء .
ونصيحتنا لك ما هو قدمناه من ضرورة علاج الوسوسة والتخلص منها وعدم الالتفات لها .
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
تعليق