الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

تأمر الناس بالصلاة وهي لا تصلي إلا أمامهم فقط !

112164

تاريخ النشر : 26-08-2008

المشاهدات : 32156

السؤال

أنا معلمة و أحرص على تعليم طالباتي الصلاة و لكني لا أصلي إلا أمام الناس مع يقيني بأهمية الصلاة وكذلك دائماً أقول للخادمة إذا دخل وقت الصلاة اتركي العمل ، واذهبي صلِّي ، وأنا لا أصلي ! وأتكاسل فبماذا تنصحني

الجواب

الحمد لله.

 نأمل أن لا يستمر حالك كما هو الآن ، ونرى أن عندكِ خيراً عظيماً ، ولا بدَّ لك من تنميته واستثماره ؛ لئلا تضيع حياتك فتلقي ربك تعالى ولم تصلحي من شأنك وحالك .
وخير ما ننصحك به في إهمالك للصلاة هو كتاب الله تعالى وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فتنبهي لما سنذكره من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم لتعلمي عِظم الإثم الذي يلحقك ويثقل كاهلك .
واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام ، فكيف ترضين لنفسك أن تكوني في سلك أولئك الذين استحقوا غضب الله تعالى وسخطه ؟ واحذري من تزيين الشيطان لفعلك بأن تركك للصلاة ليس جحوداً ، إذ لا فرق بين من يتركها كسلاً أو يتركها جحوداً ، وليس ترك الصلاة معصية يُستغفر من تركها ويُتاب من عدم أدائها ، بل يلزم من تركها الدخول في الإسلام بالشهادتين ، أو تجديد إسلامه بأداء الصلاة  .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
الذي كان يصلي ثم يترك الصلاة لشهر أو شهرين أو أكثر ، ثم يهديه الله تعالى إلى سبيل الهدى والحق- هل عليه القضاء أم لا ؟ .
فأجابوا :
مَن ترك الصلاة لشهر ، أو شهرين ، أو أقل ، أو أكثر : فعليه أن يجدد إسلامه ، وأن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً ، ويندم على ما فات ؛ لأن ترك الصلاة بالكلية كفر أكبر ، ويشرع له أن يكثر من نوافل الطاعات ، والتضرع بين يدي الله سبحانه ، لعل الله أن يعفو عنه ، ويتجاوز عما سلف ، وأن يقبل توبته ، فالتوبة تجب ما قبلها ، ولا يلزمه القضاء .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 5 / 44 ) المجموعة الثانية .
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
الصلاة ركن من أركان الإسلام ، بل هي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، وهي الفارقة بين المؤمن والكافر ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( بين العبد وبينَ الكُفرِ والشِّركِ : تركُ الصلاة ) .
والمرأة التي لا تصلِّي : إن كانت لا ترى وجوب الصلاة عليها : فهي كافرة بإجماع أهل العلم ، وإن كانت ترى وجوبها وتركتها تكاسُلاً : فإنها تكفر على الصحيح من قولي العلماء .
فعلى هذا لا يصحُّ للمسلم أن يتزوَّجها ، وإذا كان قد تزوَّجها : فلا يجوز له إمساكها ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) الممتحنة/ 10 ، وقوله تعالى : ( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) البقرة/ 221 .
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 1 / 102 ، السؤال 53 ) .
وقد سبق الكلام على تارك الصلاة وحكمه في أجوبة عديدة ، وبإمكانك الاطلاع على تفاصيلها في قسم تارك الصلاة ، من التصنيف الموضوعي .
ثانياً:
قد وقعتِ في أمرٍ آخر جلل ، وهو ترك العمل بما تنصحين به غيرك ! وكان الواجب عليك الالتفات لنفسك لإنقاذها من النار ، ومن سخط العزيز القهَّار .
قال الله تبارك وتعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) البقرة/44 .
قال ابن كثير – رحمه الله – :
قال ابن جريج : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ ) أهل الكتاب ، والمنافقون ، كانوا يأمرون الناس بالصوم ، والصلاة ، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس ، فعيَّرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير : فليكن أشد الناس فيه مسارعة .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 246 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ ) أي : بالإيمان ، والخير ، ( وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) أي : تتركونها عن أمرها بذلك ، والحال : ( وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) وأسمى العقل عقلاً ؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير ، وينعقل به عما يضره ؛ وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به ، وأول تارك لما ينهى عنه ، فمَن أمر غيره بالخير ولم يفعله ، أو نهاه عن الشر فلم يتركه : دل على عدم عقله ، وجهله ، خصوصا إذا كان عالِماً بذلك ، قد قامت عليه الحجة .
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل : فهي عامة لكل أحد ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) ، وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ؛ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين ، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين : أمر غيره ، ونهيه ، وأمر نفسه ، ونهيها ، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر ، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين ، والنقص الكامل أن يتركهما ، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر : فليس في رتبة الأول ، وهو دون الأخير ، وأيضاً فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قولُه فعلَه ، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة .
" تفسير السعدي " ( ص 51 ) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ : أَيْ فُلَانُ ، مَا شَأْنُكَ ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ) .
رواه البخاري ( 3094 ) ومسلم ( 2989 ) .
( فتندلق ) : تخرج وتنصب بسرعة ، ( أقتابه ) : جمع قتب ، وهي الأمعاء والأحشاء ، ( برحاه ) : حجر الطاحون التي يديرها .
والذي نوصيك به هو الاستمرار بنصح الناس في أمر الصلاة ، مع الاهتمام بإقامتها من قبَلك ، وأدائها في وقتها ، بصدق وإخلاص .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
أضطر أحيانا إلى إمامة أهل قريتي ، وأكثر الأحيان أخطب الجمعة من كتاب خطابة ، ولي - والحمد لله - مكانة في قلوب الناس ، ومع ذلك يتغلب عليَّ شيطاني وأتبع هوى نفسي ، وأشعر بضيق عندما أرتكب أي معصية ؛ لأنني أعرف الخطأ ، ورغم ذلك أقع فيه ، وآمر الناس بالبعد عن الخطيئة ، وأنا أفعلها ، وأنا أعرف جيِّداً قول الله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) .
فأجابوا :
نوصيك بالاستمرار في وعظ أهل قريتك ، والاستزادة من العلم الشرعي ما أمكنك ذلك ، والبعد عن المعاصي ، ومجاهدة النفس على ذلك ، والحرص على أن يطابق قولُك عملَك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ، والله سبحانه يقول : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت/ 69 ، مع التوبة النصوح مما سبق .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 269 ، 270 ) .
والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب