الحمد لله.
هذا الحديث جاء مرويا عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ، ولكن الطرق إليهم كلها منكرة شديدة الضعف ، وهذا بيان ذلك :
الحديث الأول :
عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء ، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم )
روي هذ الحديث من عدة طرق عن حذيفة:
1- عن شقيق بن سلمة عن حذيفة به :
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/352) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/132) من طريق إسحاق بن بشر ، ثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن شقيق به .
وهذا إسناد شديد الضعف منكر :
بسبب إسحاق بن بشر ، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/184) : " قال ابن حبان: لا يحل حديثه إلا على جهة التعجب . وقال الدارقطني : كذاب متروك . يروي العظائم عن ابن إسحاق وابن جريج والثوري " انتهى. ولذلك قال الذهبي في "التلخيص" : " أحسب الخبر موضوعا " انتهى. وقال ابن الجوزي : " هذا حديث لا يصح ، والمتهم به إسحاق " انتهى. وضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (2/180)
2- عن أبي العالية عن حذيفة :
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/270) "والصغير" (2/131) ، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/252) : من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية به . وقال الطبراني : لايروى هذا الحديث عن حذيفة إلا بهذا الإسناد ، تفرد به عبد الله بن أبي جعفر الرازي .
وهذا سند ضعيف منكر :
فرواية عبد الله عن أبي جعفر محل طعن ومظنة نكارة ، لذلك قال ابن حبان : يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه . فمثله لا يحتمل تفرده بحديث لم يشاركه فيه سوى المتهمين والمجهولين .
انظر ترجمة عبد الله بن أبي جعفر في "تهذيب التهذيب" (12/57) وفي (5/177)
وله طريق ثالث ذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" للسيوطي (2/266) ، وضعف الشيخ الألباني سنده جدا ، بسبب من فيها من المتهمين ، وبعض المجاهيل .
الحديث الثاني :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من أصبح وهمه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء ، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم )
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/356) وأبو عبد الله الدقاق في "مجلس إملاء في رؤية الله" (رقم/396) وابن بشران في "الأمالي" (رقم/395) :
من طريق : إسحاق بن بشر ، حدثنا مقاتل بن سليمان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن مسعود مرفوعا به .
وهذا إسناد منكر أيضا .
فقد سبق نقل طعن أهل العلم في إسحاق بن بشر ، ولذلك قال الذهبي في " تلخيص المستدرك " : إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين .
الحديث الثالث :
عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء ، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا )
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/29) من طريق طريق يزيد بن ربيعة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي ذر به . وقال : تفرد به يزيد بن ربيعة.
وهذا إسناد منكر أيضا .
فيه يزيد بن ربيعة الرحبي : قال فيه البخاري : أحاديثه مناكير . وقال النسائي : متروك . انظر "ميزان الاعتدال" (4/422) ، وبه ضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/433) ، وضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (2/180).
الحديث الرابع :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من أصبح وهمه غير الله فليس من الله ، ومن أصبح لا يهتم للمسلمين فليس منهم )
رواه ابن عدي في "الكامل" (7/67) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/361) من طريق وهب بن راشد ، ثنا فرقد السبخي ، عن أنس به .
وهذا إسناد منكر .
فيه وهب بن راشد : قال فيه الدارقطني : متروك ، وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به بحال . "ميزان الاعتدال" (4/352) وقال البيهقي : إسناده ضعيف . وفيه أيضا فرقد السبخي ضعيف الحديث ، كثير الخطأ .
والحاصل أن طرق الحديث جميعها ضعيفة شديدة الضعف ، لا تتقوى بتعددها ، فلا يجوز نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ضعف الحديث من جميع طرقه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/309-312)
ولكن يغني عنه جميع الشواهد من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمنين إلى التحابب والتراحم ، ومراعاة الأخوة الإيمانية فيما بينهم ، ومنها قوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات/10 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586)
والله أعلم .
تعليق