الحمد لله.
أولاً:
يجب على الأب أن يعدل فيما يعطي أولاده من الهدية أو الهبة .
فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا ، فَقَالَ : (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟) قَالَ : لَا ، قَالَ : (فَارْجِعْهُ) رواه البخاري (2446) ومسلم (1623) .
" نحلت " : أي : أعطيت ، من النِّحلة ، وهي العطاء .
قال النووي رحمه الله :
وفي هذا الحديث : أنه ينبغي أن يسوي بين أولاده في الهبة ، ويهب لكل واحد منهم مثل الآخر ، ولا يفضل .
"شرح مسلم" (11/66) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية ، وأن التفضيل باطل ، جور ، يجب على فاعله استرجاعه ، وبه قال طاوس ، والثوري ، وأحمد ، وإسحق ، وبعض المالكية ، وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فقط ، وأجابوا عن الأحاديث بما لا ينبغي الالتفات إليه .
" الدراري المضية شرح الدرر البهية " (1/348) .
والعدل : أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين ، كما في قسمة المواريث ، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى .
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال ( 22169 ) .
ولا يمنع من وجوب التسوية في العطية كون أحد الأولاد غنيّاً ، أو له وظيفة ، أو كانت البنات متزوجات .
فقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
لدي أولاد ، وبنات ، فهل يجوز لي أن أعطي البنات دون الأولاد ، مع أن الأولاد في وظائف ، ويعطونني ، لكنني أرفض ، والبنات متزوجات ؟ .
فأجاب :
"النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعدل في العطية بين الأولاد ، قال صلى الله عليه وسلم : (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) - رواه البخاري - ، فلا يجوز للوالد أن يخصص بعض أولاده بعطية ، ويترك الباقين ، بل عليه أن يسوِّي بينهم في العطية ، ويعدل بينهم ؛ كما أمر الله تعالى بذلك ، ولو كان بعضهم في وظائف ، وبعضهم ليسوا موظفين ؛ فالعدل واجب" انتهى .
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (3 / 333 ، السؤال رقم 496) .
فقد أخطأ والدكم رحمه الله لأنه لم يعط أختكم أرضاً كما أعطاكم جميعاً ، وأخطأ حيث لم يبنِ لغير الثلاثة من أبنائه ما بنى لهم ، وكان الواجب عليه العدل في هبة الأرض ، وفي البناء الذي أقامه عليها .
وبما أن والدكم قد توفي : فإن الواجب عليكم الآن إشراك أختكم في جميع تركة والدكم ، بما في ذلك ما وهبه لكم دونها ، وكونها غنية لا يبيح لوالدكم حرمانها من العطية – كما سبق - ، وسكوتها لا يعني قبولها ، ويدل على ذلك مطالبتها بحصتها بعد وفاته ؛ فإن من عادة الأولاد السكوت في مثل هذه الحال حياءً من والدهم ، وليس رضاً بصنيعه .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يجوز للوالد أن يسجل مزرعة لأحد أولاده ويترك باقي الأولاد ؟ والدي سجل لي مزرعة وترك أختي وأخاً صغيراً ، هل أنا أتكفل بهؤلاء الأبناء أم أتركهما ؟ .
فأجابوا :
"يجب على الوالد أن يسوِّي بين أولاده في العطية حسب الميراث الشرعي ، ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه : (أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ فقال : لا، فقال : فأرجعه) متفق عليه .
وعليه : فيجب على والدك أن يعدل العطية التي حصلت منه لبعض أولاده بأن يعطي كل واحد من أولاده مثل ما أعطى المذكور ، أو يسترجع العطية منه ، وإن كان والدك قد مات : فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة ، حسب الحكم الشرعي" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " (16/216) .
فيجب تقسيم جميع التركة بما فيها الأراضي والأبنية الموهوبة من والدكم على جميع الورثة حسب القسمة الشرعية .
ويضاف لأخيكم الذي سدَّدَ جزءاً من قيمة الفيلا المخصصة له ما أنفقه من أموال ، فتضاف إلى نصيبه من الميراث .
ثانياً :
ما أعطاه والدكم رحمه الله لوالدتكم من هبة : فإنها لا تُرجعه ، ولا تضعه في التركة ؛ لأن العدل إنما يجب في هبة الأولاد ، ويجوز أن يخص الزوجة بشيء دون أولاده ، فإن كانت قبضته في حياته فهو لها ولا يدخل في التركة ، وإن كانت لم تقبضه فإنه يدخل في التركة ويقسم على جميع الورثة .
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" :
وأما شرط لزوم الهبة فهو القبض ، فلا يحصل الملك في الموهوب والهدية إلا بقبضهما . هذا هو المشهور .
وانظر : "الموسوعة الفقهية" (42/130 ، 131) .
ولا يشترط في القبض أن يكون قد سَجَّل الأرض رسمياً باسم والدتكم ، بل يكفي أنه عَرَّفها حدودها ، وصارت متمكنة من التصرف فيها .
تعليق