الحمد لله.
أولا :
يستحب للخطيب أن يدعو أثناء الخطبة ، ويؤمّن الحاضرون على دعائه ، لكنه لا يرفع يديه ، ولا يرفعون أيديهم ؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده .
وقد روى مسلم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، رَافِعًا يَدَيْهِ : ( فَقَالَ : قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " هَذَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لَا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ . وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف وَبَعْض الْمَالِكِيَّة إِبَاحَته ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَة الْجُمُعَة حِين اِسْتَسْقَى ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْع كَانَ لِعَارِضٍ " انتهى .
فإن دعا الإمام للاستسقاء في خطبة الجمعة ، سنّ له رفع اليدين ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك يرفع المأمّنون على دعائه ؛ لما روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : (أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ [جدب] عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْمَالُ ، وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل ، أثابكم الله ؟
فأجاب : "رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين ، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت ، وأما رفع اليدين فلا يشرع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد ، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك ، وقال : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما .
نعم ، إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء ، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر - ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة ، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مجموع الشيخ ابن باز " (12/339) .
ثانيا :
للخطيب أن يدعو في وسط الخطبة أو آخرها ، وهذا من المواطن التي هي مظنة الإجابة ؛ لأن في الجمعة ساعة إجابة ، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (5295) ومسلم (852) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ ) ، وقد قيل إن هذه الساعة من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة .
قال ابن القيم رحمه الله : " وأرجح هذه الأقوال : قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة ، وأحدهما أرجح من الآخر :
الأول : أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى ، أن عبد الله بن عمر قال له : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئا ؟ قال : نعم سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة ) . وروى ابن ماجه ، والترمذي ، من حديث عمرو بن عوف المزني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه . قالوا : يا رسول الله ! أية ساعة هي ؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها .
والقول الثاني : أنها بعد العصر ، وهذا أرجح القولين ، وهو قول عبد الله بن سلام ، وأبي هريرة ، والإمام أحمد . وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ( إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه ، وهي بعد العصر ) .
وروى أبو داود والنسائي ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( يوم الجمعة اثنا عشر ساعة ، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه ، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ) ..." انتهى من "زاد المعاد" (1/376) .
والله أعلم .
تعليق