الحمد لله.
أولا:
ينبغي التفريق بين النفقة والعطية ، فالنفقة التي ينفقها الأب على أبنائه تختلف باختلاف حاجتهم ، فنفقة الصغير ليست كنفقة الكبير ، ونفقة من يدرس في المراحل الأولى ليست كنفقة من يدرس في الجامعة ، ونفقة البنت ليست كنفقة الولد غالباً .
ومن ذلك : نفقة الزواج ، فما ينفقه الأب على زواج أحد أبنائه لا يلزمه أن يعطي مثله لمن لم يتزوج ؛ لأن هذا من باب النفقة التي تعطى من يحتاج لها فحسب ، فإذا كبر آخر زوّجه ، وهكذا .
وهذا يقال في المسكن أيضا ، فإذا كان للأب مسكن ، واحتاجه الابن المتزوج فإنه يعطى له من باب الانتفاع ، لا التمليك ، فتسد حاجته بذلك ، وكذا لو احتاج سيارة مثلا ، أعطيت له ليركبها ، دون أن يملكها .
والمقصود : أنه يعطى كل ابن ما يحتاجه ويناسبه .
وأما العطية الزائدة على النفقة فهذه هي التي يجب فيها التسوية ، ويحرم فيها تفضيل أحد الأبناء على الآخرين ، فيسوَّى بين الأولاد الذكور ، ويعطى الذكر مثل حظ الأنثيين .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله منبها على الفرق بين النفقة والعطية :
" فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس ويحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر وأقلام وحبر وما أشبه ذلك ، والآخر لا يقرأ ، وهو أكبر منه لكنه لا يحتاج ، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله ؟
الجواب : لا يجب ؛ لأن التعديل في الإنفاق يعني أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه .
مثاله : لو احتاج الولد الذكر إلى غترة وطاقية قيمتهما مائة ريال ، واحتاجت الأنثى إلى قروط في الآذان قيمتها ألف ريال ، فما هو العدل ؟
الجواب : العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمائة ريال ، ويشتري للأنثى القروط بألف ريال أضعاف الذكر عشر مرات ، هذا هو التعديل .
مثال آخر : إذا احتاج أحدهم إلى تزويجه والآخر لا يحتاج ، فما العدل ؟
الجواب : أن يعطى من يحتاج إلى التزويج ولا يعطى الآخر ، ولهذا يعتبر من الغلط أن بعض الناس يزوج أولاده الذين بلغوا سن الزواج ويكون له أولاد صغار فيكتب في وصيته : إني أوصيت لأولادي الذين لم يتزوجوا أن يُزَوًّج كل واحد منهم من الثلث ، فهذا لا يجوز ؛ لأن التزويج من باب دفع الحاجات ، وهؤلاء لم يبلغوا سن التزويج ، فالوصية لهم حرام ، ولا تنفذ أيضا ، حتى الورثة لا يجوز لهم أن ينفذوها إلا البالغ الرشيد منهم إذا سمح بذلك ، فلا بأس بالنسبة لحقه في التركة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/599) .
وينظر في وجوب التسوية بين الأولاد في العطية جواب السؤال رقم (22169) .
ثانيا :
ينبني على ما سبق ، أن من تزوج من أبنائك ، واحتاج إلى سكن ، فلا حرج أن تأذن له بالسكن في إحدى الشقق ، مع بقائها على ملكه ، ولا يلزمه أن يعطي شيئا لإخوانه أو أخواته ، كما لا يلزمك أن تعطيهم شيئا ، ما داموا لا يحتاجون إلى مسكن ، إما بسكناهم معك [ في إعالتك] ، أو بسكن البنت مع زوجها .
فإن كان الابن غير محتاج للسكن ، كان السماح له بالانتفاع بالشقة مجانا من باب العطية ، فيراعى العدل حينئذ ، بأن تعطي لبقية إخوانه مثل إيجار الشقة ، أو يدفع الابنُ الأجرة وتكون لك ، أو يعطي إخوانه جميعا حقهم من الأجرة .
وإن أردت تمليك الشقق لأبنائك ، لزمك العدل بينهم ، وجعل ما للذكر ضعف ما للأنثى ، كما في الميراث ، ومن الخطأ أن يملّك الابن الشقة مثلا ، ثم يقال له : أعط إخوانك ، أو أن يملّك الذكور ، ويطلب منهم إعطاء الإناث ؛ لأنهم قد يعطون وقد لا يعطون ، وحاجة الابن للسكن – لو كان محتاجا – تندفع بالسماح له بالسكن ، دون أن يملّك ، فإذا أراد الأب التمليك ، لزمه العدل ، وينبغي أن يوثق ذلك منعا للنزاع والاختلاف بين الأولاد .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق