السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

هل الأفضل الدعاء برفع الضر أم الأفضل الصبر؟

السؤال

هل يجوز الدعاء برفع الضر من الله عز وجل ، أم الأفضل الصبر؟

الجواب

الحمد لله.

لا حرج من الدعاء برفع الضرر ، بل ذلك أفضل ، فقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على سؤال العافية ، فقَالَ : ( لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ) رواه البخاري (7237) ، ومسلم (1742) .
وكَانَ من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَادَ مَرِيضًا قَالَ : ( اللَّهُمَّ أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ ، وَاشْفِ ، فَأَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا ) رواه الترمذي (3565) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وجاء عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ يشكو ألما يجده في بدنه فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ ، وَقُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا ، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ) رواه مسلم (2202) .
وقد ذكر الله تعالى عن صفوة خلقه ، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أنهم دعوه لرفع الضر ، قال الله تعالى : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) الأنبياء/38 ، 84 .
وقال تعالى : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/87 ، 88 .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ربَّه تبارك وتعالى أن يعافيه من هذا البلاء .
روى مسلم (2189) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ : سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ ، يُقَالُ لَهُ : لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ . قَالَتْ : حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ دَعَا ، ثُمَّ دَعَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ .....إلخ الحديث ) .
قال النووي رحمه الله :
"قَوْله : ( حَتَّى إِذَا كَانَ ذَات يَوْم أَوْ ذَات لَيْلَة دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا , ثُمَّ دَعَا ) هَذَا دَلِيل لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاء عِنْد حُصُول الْأُمُور الْمَكْرُوهَات , وَتَكْرِيره , وَحُسْن الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى" انتهى .
وبهذا يظهر أنه لا تعارض بين الدعاء برفع البلاء والصبر ، فإن الله تعالى أمرنا بدعائه والتضرع إليه ، ودعاؤنا له عبادة ، قال الله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر/60 .
وهو الذي أمرنا بالصبر ، ووعدنا عليه بالثواب الجزيل فقال : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10 .
ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ، وهو صلى الله عليه وسلم أكمل الناس صبراً ، وأشدهم رضاً بقضاء الله ، مما يدل على أن الدعاء لا ينافي الصبر ، لأن الصبر هو حبس النفس عن التسخط والاعتراض على القضاء والقدر .
فليس هناك مانع أن يجمع العبد بين عبادتي الصبر والدعاء ، بل ذلك هو الأفضل والأكمل ، وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الفقه في الدين .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب