الحمد لله.
من كان لديه مال فاضل عن نفقته ونفقة عياله ، يكفي لحجه ، لزمه أن يحج بنفسه ، فإن كان عاجزا لمرض أو كبر ، لزمه أن ينيب من يحج عنه بماله ، فإن مات ولم يحج ، وجب أن يخرج من تركته ما يحج به عنه ؛ لأن الحج دين في ذمته ، ودين الله أحق بالقضاء ، كما روى النسائي (2639) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : ( أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ ) ، والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي .
قال ابن قدامة رحمه الله : " متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج , وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر , سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط ، وبهذا قال الحسن , وطاوس , والشافعي ....
لما روى ابن عباس , ( أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها , مات ولم يحج ؟ قال : حجي عن أبيك ) ، وعنه : ( أن امرأة نذرت أن تحج , فماتت , فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك ؟ فقال : أرأيت لو كان على أختك دين , أما كنت قاضيه ؟ قال : نعم . قال : فاقضوا دين الله , فهو أحق بالقضاء ) رواهما النسائي ، ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة , فلم يسقط بالموت كالدين " انتهى من "المغني" (3/101) مختصرا .
وأما إن كان في حياته لا يملك نفقة الحج الفاضلة عن نفقته ونفقته عياله ، فالحج لم يجب عليه ، ولا يجب الحج عنه ، إلا إن تبرع أحد بذلك .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : لي ابن أخ أصيب بمرض السرطان -أعيذكم بالله من ذلك وجميع المسلمين- وتوفي هذا العام وعمره تسع عشرة سنة ولم يؤد فريضة الحج ، علماً بأنه أصيب بهذا المرض منذ خمس سنوات ، فهل نحج عنه ؟ وهل هناك كفارة ؟
فأجاب :
" لا بد أن نسأله : هل هذا الشاب عنده مال يستطيع أن يحج به ؟ إن كان الأمر كذلك فلا بد أن يحج عنه ، وإذا لم يكن عنده مال فالحج ليس بواجب عليه وقد مات بريئاً من الفريضة ، لكن إن أرادوا أن يتطوعوا ويحجوا عنه فلا حرج " انتهى من "اللقاء الشهري" (62/5) .
وبناء على ذلك ؛ فما دام الرجل الذي توفي كان عنده من المال ما يكفي للحج ، فالحج كان واجباً عليه ، فما فعله السائل من الحج عنه عمل صحيح ، وهو مقدم على حق الوارث في التركة ، لكن ينبغي إعلام الوارث بذلك ، حتى لا يحج عنه مرة أخرى ، وهو يظن أن ذلك واجب عليه .
والله أعلم .
تعليق