الحمد لله.
رخص كثير من أهل العلم في لعب الأطفال وإن كانت على صورة ما فيه روح ؛ لما روى أبو داود (4932) عن عائشة رضي الله عنها قالت : (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر ، فهبت ريح ، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي ! ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت : فرس . قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت : جناحان . قال : فرس له جناحان ! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة ؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى البخاري (5779) ومسلم (2440) عن عائشة رضي الله عنها قالت : (كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان لي صواحب يلعبن معي ... الحديث) .
هذا بالنسبة لما يصنع من الألعاب والدمى ، وفي المسألة نزاع مشهور ، فمن أهل العلم من حرم لعب الأطفال إذا كانت على صورة حيوان كأسد أو نمر ونحوه ، ومنهم من رخص في ذلك .
وينظر : "أحكام التصوير في الفقه الإسلامي" ، ص 241- 261 ، فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين ، شريط رقم ( 374 ) وجه أ .
وعلى القول بجواز الدمى على سبيل العموم ، فإن لبس الإنسان لما صنع على هيئة الدب مثلا ، ومحاكاته له في حركته ومشيته فيه محذوران : التشبه بالحيوان ، ولبس الصورة أو ما فيه صورة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن العدسات اللاصقة : " إن كانت تحكي عيون الحيوان كالتي تكون على شكل عيون القط أو الأرنب أو غيرهم من الحيوانات فإن ذلك لا يجوز ؛ لأن التشبه بالحيوان لم يأتِ في الكتاب والسنة إلا في مقام الذم ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شئنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ) ، وقال الله تبارك وتعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) ، وقال : (ليس لنا مثل السوء) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينظر : "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (32/256-260) ففيه فتوى مفصلة في المنع من التشبه بالبهائم ومحاكاتها في حركاتها أو أصواتها .
وسئل الشيخ الدكتور أحمد بن محمد الخضيري ، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية حفظه الله : نحن مجموعة نعمل في مجال المسرح للأطفال ، ونقدم برنامجاً هادفاً يحضر لدينا في المنتزه أو موقع لمسرح الأطفال مع ذويهم الأب والأم ، ونعمل على فصل الرجال عن النساء ، وتقديم الأطفال في الكراسي الأمامية ، ويلبس بعض الشباب ملابس تنكرية (دمى) على شكل ثعلب أو دب أو خيارة أو برتقالة- والسؤال: هل التمثيل ولبس مثل هذه الملابس جائز؟
فأجاب : "إذا كان ما تقومون به في المسرح برنامجاً هادفاً يستفيد منه الأطفال ، وليس في هذا المكان اختلاط بين الرجال والنساء ، فليس في هذا العمل بأس ، غير أن التشبه بالحيوانات لا ينبغي أن يقع من المسلم ، لما فيه من إهانة للنفس التي كرمها الله تعالى بالعقل ، ومحاكاة البهائم والحيوانات لم ترد في القرآن والسنة إلا في مقام الذم ، وإذا كانت دمى هذه الحيوانات مجسمة فإنها لا تجوز ؛ لأنها تدخل في التصوير الذي جاءت النصوص بتحريمه ، وأما دمى الجمادات فلا بأس بلبسها واستخدامها " انتهى من "موقع الإسلام اليوم".
ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان أو إنسان .
وقال في "مطالب أولي النهى" (1/353) : "وحرم على ذكر وأنثى لبس ما فيه صورة حيوان لحديث أبي طلحة قال : سمعت رسول الله , صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب ) متفق عليه" انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان ؟
فأجاب: "لا يجوز للإنسان أن يلبس ثيابا فيها صورة حيوان أو إنسان ، ولا يجوز أيضا أن يلبس غترة أو شماغا أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان ، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة )" انتهى .
والذي يظهر أن لبس ما صنع على هيئة الحيوان أبلغ في المخالفة من لبس اللباس المعتاد كالقميص ونحوه وعليه صورة حيوان .
وبهذا يتبين أنه لا يُرخص فيما ذكرتم من لبس الدمى على شكل إنسان أو حيوان ، ولو كان الغرض هو المشاركة في برامج الأطفال وإدخال السرور عليهم .
والله أعلم .
تعليق