الحمد لله.
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده الولي أو وكيله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة رضي الله عنهما ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وولي المرأة هو : أبوها ، ثم أبوه ، ثم ابنها وابنه (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها ، ثم أخوها لأبيها فقط ، ثم أبناؤهم ، ثم أعمامها ، ثم أبناء الأعمام ، ثم أعمام الأب ، ثم السلطان . ينظر "المغني" (9/355) .
وليس للولي الأبعد أن يزوج مع وجود الولي الأقرب ، وإمكان حضوره أو توكيله .
وإذا زوج الأبعد عند غياب الولي الأقرب ، فهذا محل خلاف بين أهل العلم ، فمنهم من قال : إن غاب غيبة منقطعة ، جاز للأبعد تزويجها ، ومنهم من قال : إن لم تمكن مراجعة الولي الأقرب وخيف فوات الخاطب الكفء زوجها الأبعد ، ومنهم من قال : لا يزوجها الولي الأبعد بحال ، بل يزوجها السطان .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (31/322) : " لا يصح النكاح بغير ولي عند الجمهور ، ويراعى في النكاح ولاية الأقرب فالأقرب , واختلفوا فيما إذا غاب الأقرب :
فقال الحنفية والحنابلة : إنه إذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج ، فإذا غاب الأب مثلا زوجها الجد , وهو مقدم على السلطان , كما إذا مات الأقرب .
وحد الغيبة المنقطعة عند الحنفية هو أن يكون في بلد لا تصل إليها القوافل في السنة إلا مرة واحدة , وهو اختيار القدوري , وقيل : أدنى مدة السفر ; لأنه لا نهاية لأقصاه , وقيل : إذا كان بحال يفوت الخاطب الكفء باستطلاع رأي الولي .
وذهب الحنابلة إلى أن الغيبة المنقطعة هي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة , قال البهوتي نقلا عن الموفق : وهذا أقرب إلى الصواب ... وتكون الغيبة المنقطعة فوق مسافة القصر , لأن من دون ذلك في حكم الحاضر .
أما المالكية فقد نصوا على أن الولي المجبر الأقرب إذا كان غائبا غيبة بعيدة زوج الحاكم ابنة الغائب المجبرة , دون غيره من الأولياء , ولا يجوز تزويجها في غيبة قريبة , لا للحاكم ولا لغيره من الأولياء بغير إذن الولي المجبر وبدون تفويضه , حتى إنهم قالوا : يفسخ النكاح أبدا إذا زوج الحاكم أو غيره من الأولياء , ولو أجازه المجبر بعد علمه , ولو ولدت الأولاد .
وقال الشافعية : لو غاب الولي الأقرب نسبا أو ولاء إلى مرحلتين ولا وكيل له بالبلد , أو دون مسافة القصر , زوج سلطان بلد الزوجة أو نائبه , لا سلطان غير بلدها , ولا الأبعد على الأصح " انتهى مختصرا .
وقال في "زاد المستقنع" : " فإن عضل الأقرب ، أو لم يكن أهلا ، أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله : أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد ، أي : غاب عن بلد المرأة المخطوبة أبوها مثلا ، أو أخوها ، أو وليها ، غيبة منقطعة ، وفسرها بقوله : لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فإنه يزوج الأبعد .
والمؤلف ـ رحمه الله ـ قيد الغيبة بالتي لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ، وهذا يختلف باختلاف الأزمان ، ففيما سبق كانت المسافات بين المدن لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ، والآن بأسهل السبل ، فربما لا يحتاج إلى سفر ، فيمكن يخاطب بالهاتف ، أو يكتب الأب بالفاكس وكالة ويرسلها بدقائق ، فالمسألة تغيرت .
وقيده بعض أهل العلم بما إذا غاب غيبة يفوت بها الخاطب ، يعني ـ مثلا ـ قال الخاطب : أنا لا أنتظر إلى يومين أو ثلاثة أو عشرة أيام ، أو شهر ، أعطوني خبرا في خلال يوم ، وإلا فلا .
فبعض العلماء يقول : إذا كانت الغيبة يفوت بها الخاطب الكفء فإنه تسقط ولايته...
والذي ينبغي أن يقال : إن كانت مراجعته ممكنة فإنه لا يزوِّج الأبعد ؛ والسبب في هذا أننا لو قلنا بتزويج الأبعد في هذه الحال مع إمكان المراجعة ؛ لأدى ذلك إلى الفوضى ، وصار كل إنسان يريد امرأة يذهب إلى ابن عمها إذا غاب أبوها ـ مثلاً ـ في سفر حج ، أو نحوه ، ثم يقول : زوجني ، فيحصل بذلك فوضى ما لها حد ، فالصواب أنه يجب مراعاة الولي الأقرب لا سيما في الأبوة فلا يُزوج إلا إذا تعذر .
فمثلا لو فرضنا أن الأب سافر إلى بلاد أوربية ، ولا نعلم عنه خبرا فهنا نقول : ما نفوت مصلحة البنت من أجل أن نطلب هذا الرجل ؛ لأننا يمكن أن نبقى شهرين أو ثلاثة أو سنة ما نعلم عنه ، فالصواب أنه متى أمكن مراجعة الولي الأقرب فهو واجب ، وإذا لم يمكن ، وكان يفوت به الكفء فليزوجها الأبعد " انتهى من "الشرح الممتع" (12/89-91) .
ثانيا:
يشترط لصحة النكاح رضا الزوجين ، وليس لغير الأب من الأولياء أن يجبر ابنته البكر البالغة العاقلة على النكاح ، عند جمهور الفقهاء ، فليس للجد ولاية إجبار على البكر العاقلة ، فإذا زوجها وهي كارهة لم يصح النكاح .
وينظر تفصيل ذلك في "الموسوعة الفقهية" (41/259- 267) .
والراجح أن الأب – أيضا – ليس له أن يجبر ابنته البكر البالغة العاقلة على النكاح ، بل يلزمه استئذانها ؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا ؟ قَالَ : أَنْ تَسْكُتَ ) رواه البخاري (5136) ومسلم (1419) .
وبناء على ما سبق من كلام الفقهاء ، ومن كون الأب لم يغب غيبة يشق معها الوصول إليه ، - إذ يسهل الوصول والاتصال بكل مسافر الآن - ، مع رفضه للنكاح حين علم به ، وكون الزوجة كارهة أثناء العقد ، فإننا نرى تجديد عقد النكاح ، وإن كان لهما أولاد فإنهم ينسبون إلى أبيهم ؛ لأنه عَقَدَ نكاحاً يعتقد صحته .
وعلى الأولياء أن يتقوا الله تعالى ، وأن يحذروا من تزويج المرأة بمن لا ترضى ، وأن يراعوا حدود الله ، فلا يتقدموا على من حقه التقديم .
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع .
والله أعلم .
تعليق