الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز مس جسد المرأة بعد موتها؟

127274

تاريخ النشر : 01-03-2009

المشاهدات : 61573

السؤال

هل صحيح أنه لا يجوز لمس جسد المرأة بعد أن تموت ؟

الجواب

الحمد لله.

لا يجوز للرجل الأجنبي عن المرأة أن يمسها بعد موتها ، كما لا يجوز له ذلك في حال حياتها، وإنما يجوز مسها للنساء أو محارمها من الرجال .

فعورة المرأة بعد موتها كعورتها في حال حياتها ، ولهذا اتفق العلماء على أن الرجل لا يغسل المرأة ، والمرأة لا تغسل الرجل ، إلا في الزوجين فقط ، فيجوز لكل واحد منهما أن يغسل الآخر .

قال الفقيه ابن رشد :

" اتفقوا على أن الرجال يغسلون الرجال ، والنساء يغسلن النساء ، واختلفوا في المرأة تموت مع الرجال أو الرجل يموت مع النساء ما لم يكونا زوجين على ثلاثة أقوال :

فقال قوم : يغسل كل واحد منهما صاحبه من فوق الثياب .

وقال قوم : ييمم كل واحد منهما صاحبه .

وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء وقال قوم : لا يغسل واحد منهما صاحبه ولا ييممه , وبه قال الليث بن سعد بل يدفن من غير غسل .

وسبب اختلافهم هو الترجيح بين تغليب النهي على الأمر أو الأمر على النهي ؛ وذلك أن الغسل مأمور به ، ونظر الرجل إلى بدن المرأة ، والمرأة إلى بدن الرجل منهي عنه " انتهى .

"بداية المجتهد" (1/27-228) .

فتبين بذلك أن الفقهاء متفقون على أنه لا يمس الرجل امرأة أجنبية عنه بعد موتها ، ولا تمس المرأة رجلاً أجنبياً عنها بعد موته ، لأن العلماء الذي قالوا : يغسل كل منهما الآخر ، قالوا : يغسله من فوق الثياب ، وذلك حتى لا يمسه ، ولا ينظر إلى عورته .

وقد تواترت عبارات الفقهاء على احترام عورة الميت ، وأنها كعورة الحي من حيث النظر واللمس :

قال في "كشاف القناع" (2/92-93) :

"وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَة مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ بِغَيْرِ حَائِلٍ ، وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا ، لِأَنَّ التَّطْهِيرَ يُمْكِنُ بِدُونِ ذَلِكَ فَأَشْبَهَ حَالَ الْحَيَاةِ " انتهى .

وقال ابن قدامة في "المغني" (2/189) :

"وَالْمَرْأَةُ يُخَمَّرُ [أي : يغطى] قَبْرُهَا بِثَوْبٍ ، لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا .... ثم ذكر آثاراً بذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهم . ثم قال : لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ , وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَرَاهُ الْحَاضِرُونَ " انتهى .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/56) :

" الْأَصْلُ : أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الرِّجَالَ إلَّا الرِّجَالُ , وَلَا النِّسَاءَ إلَّا النِّسَاءُ , لِأَنَّ نَظَرَ النَّوْعِ إلَى النَّوْعِ نَفْسِهِ أَهْوَنُ , وَحُرْمَةُ الْمَسِّ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ , فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى .

وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/300) :

" وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ [يعني : الميت] بِخِرْقَةٍ ; لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لِلْأَجْنَبِيِّ غُسْلُ الْأَجْنَبِيَّةِ" انتهى باختصار .

وقال في "البحر الرائق" (2/185) :

" النَّظَرُ إلَيْهَا حَرَامٌ [يعني : عورة الميت] كَمَا فِي عَوْرَةِ الْحَيِّ ... وَفِي الْمُحِيطِ : وَيَغْسِلُ عَوْرَتَهُ تَحْتَ الْخِرْقَةِ بَعْدَ أَنْ يَلُفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً لِتَصِيرَ الْخِرْقَةُ حَائِلَةً بَيْنَ يَدِهِ وَبَيْنَ الْعَوْرَةِ ; لِأَنَّ اللَّمْسَ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ " انتهى .

وقال أيضاً (2/188) :

"وأما الغاسل فمن شرطه أن يحل له النظر إلى المغسول ، فلا يغسل الرجل المرأة ، ولا المرأة الرجل" انتهى .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" لا يجوز للرجل أن يغسل غير زوجته من الإناث ، سواء كن محارم أم أجنبيات ، إلا الطفلة الصغيرة التي ماتت دون سبع سنوات ، فله أن يغسلها ، وعلى هذا إن ماتت امرأة بين رجال فقط ، ليس فيهم زوج لها ولا امرأة يُمِّمت بالنية عن الوضوء والغسل جميعاً ، تغليباً لجانب المحافظة على عورتها ، فإن الغالب على من يباشر تغسيل الميت ولو بصب الماء عليه أن يقع بصره على شيء من عورته ، وأن يمسها ويقلبه ، ليتمكن من تعميم الماء على جسده ، فكان التيمم لمن ماتت وليس معها إلا رجال ، أحفظ لعورتها ، وأحوط لصيانتها " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/364).

وجاء فيها أيضاً (24/424) :

"النظر إلى عورته ميتا كالنظر في عورته حيا ، فلا يجوز" انتهى .

وقال الشيخ صالح الفوزان :

"أما ما عدا الزوجين فإنه لا يجوز للنساء أن تغسل الرجال ، ولا يجوز للرجال أن يغسلوا النساء ، بل كل جنس يغسل جنسه ، ولا يطلع أحدهما على عورة الآخر ؛ إلا الطفل الصغير الذي هو دون التمييز فهذا لا بأس أن يغسله الرجال والنساء على حد سواء ، لأنه لا عورة له".

انتهى مختصراً من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (80/47-48) .

والحاصل : أنه لا يجوز لأحد من الرجال الأجانب أن يمس امرأة ميتة ، كما لا يجوز له ذلك في حال حياتها .

لكن .. عند إدخالها في القبر فيجوز للرجال الأجانب عنها حملها وإدخالها القبر ، لأن المس هنا من وراء حائل (وهو الكفن) ولأن الحاجة داعية إلى ذلك .

قال ابن الهمام في "فتح القدير" (2/141) :

" لا يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ وَلَا يُخْرِجُهُنَّ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ كَانُوا أَجَانِبَ , لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا بِحَائِلٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ فِي حَيَاتِهَا , فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا " انتهى .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب