الحمد لله.
الاعتداء في الدعاء له صور ، وضابطه : كل سؤال يناقض حكمة الله ، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره ، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء .
ولا يخفى أن الجنة إنما يدخلها العبد بعد الموت والبعث ، لا الآن .
قال ابن القيم رحمه الله : "فالاعتداء بالدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات ، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله ، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة ، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب ، أو يسأله أن يطلعه على غيبه أو يسأله أن يجعله من المعصومين ، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء ، فكل سؤال يناقض حكمة الله ، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به ، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" انتهى من "بدائع الفوائد" (3/524).
ولهذا فقول الداعي : اللهم أدخلني الجنة الليلة ، إن أراد به دخول الجنة بروحه وجسده ، فهو اعتداء ، لمخالفته ما أخبر به سبحانه ، وإن أراد أن يدخلها مناما ، كأن يحفزه الشوق إلى الجنة إلى هذا السؤال طمعا أن يرى الجنة ونعيمها في منامه ، فليس هذا من الاعتداء ؛ لأنه أمر ممكن ، ووقع لبعض الناس ، وليس في الشريعة ما يمنع من سؤاله .
ومما جاء في رؤية الصالحين للجنة مناما : ما روى البخاري (7016) ومسلم (2478) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ وَلَيْسَ مَكَانٌ أُرِيدُ مِنْ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَقَصَصْتُهُ عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهُ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَرَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا) .
وإن أراد بهذا الدعاء : أن يموت الليلة ، ويكون من أهل الجنة ، فتدخل روحه الجنة ، فالذي يظهر أنه جائز أيضا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أرواح المؤمنين أنها تنعم في الجنة إلى يوم القيامة . روى أحمد (15350) والنسائي (2073) وابن ماجه (4271) عن كَعْب بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ [أي: روحه] إِذَا مَاتَ طَائِرٌ يَعْلُقُ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صححه الألباني في صحيح النسائي .
والأفضل أن لا يقيد ذلك بكونه الليلة ، بل يقول : اللهم إني أسألك الجنة ، أو أدخلني الجنة برحمتك ، ونحو هذه الأدعية ، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، أما تقييد ذلك بـ "الليلة" فيخشى أن يكون فيه سوء أدب مع الله ، فالأولى تركه .
والله أعلم .
تعليق