الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

أيام الحجامة

السؤال

هل الحجامة في أيام السبت أو الجمعة مكروهة إذا صادفت 19 أو 17 أو 21 ؟ كما ورد حديث : ( لا تحتجموا يوم الأربعاء، ولا الجمعة، ولا السبت، ولا الأحد )، وهذا أصبح مهما بين مسلمي بريطانيا. أرجو التوضيح: هل هذه أحاديث ضعيفة أم صحيحة؟

ملخص الجواب

ورد في توقيت الحجامة أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله ومن فعله، وهي تنقسم إلى قسمين: 1- أحاديث تنص على أيام الحجامة المفضلة، وأنها أيام السابع عشر – خاصة إذا صادف يوم ثلاثاء، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، وأيام الاثنين والخميس من أيام الأسبوع. 2- أحاديث تنهى عن الحجامة في أيام معينة من أيام الأسبوع وهي أيام السبت والأحد والثلاثاء – وقد ورد أيضا الحث على الحجامة يوم الثلاثاء والأربعاء والجمعة. وقد نصَّ أكثر الأئمة على ضعف أحاديث هذين القسمين كلها وأنه لم يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الحمد لله.

الأحاديث الواردة في أيام الحجامة

ورد في توقيت الحجامة أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله ومن فعله، وهي تنقسم إلى قسمين:

  • القسم الأول: أحاديث تنص على أيام الحجامة المفضلة، وأنها أيام السابع عشر – خاصة إذا صادف يوم ثلاثاء -، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، وأيام الاثنين والخميس من أيام الأسبوع.

  • القسم الثاني: أحاديث تنهى عن الحجامة في أيام معينة من أيام الأسبوع: وهي أيام السبت، والأحد، والثلاثاء – وقد ورد أيضا الحث على الحجامة يوم الثلاثاء -، والأربعاء، والجمعة.

وقد نصَّ أكثر الأئمة على ضعف أحاديث هذين القسمين كلها، وأنه لم يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض النصوص عنهم:

  1. سئل الإمام مالك عن الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء فقال:

" لا بأس بذلك، وليس يوم إلا وقد احتجمتُ فيه، ولا أكره شيئا من هذا " انتهى باختصار. " المنتقى شرح الموطأ " (7/225) نقله عن "العتبية".

وجاء في " الفواكه الدواني " (2/338) من كتب المالكية:

" تجوز في كل أيام السنة حتى السبت والأربعاء، بل كان مالك يتعمد الحجامة فيها، ولا يكره شيئا من الأدوية في هذين اليومين، وما ورد من الأحاديث في التحذير من الحجامة فيهما فلم يصح عند مالك رضي الله عنه." انتهى.

  1. يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله:

" ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء – يعني في توقيتها - إلا أنه أمر بها." انتهى نقله ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/215)

  1. نقل الخلال عن الإمام أحمد أن الحديث لم يثبت. نقله ابن حجر في "فتح الباري" (10/149)

  2. يقول البرذعي: "شهدت أبا زرعة لا يُثبِتُ في كراهة الحجامة في يوم بعينه، ولا في استحبابه في يوم بعينه حديثا." انتهى "سؤالات البرذعي" (2/757)

  3. وقال الحافظ ابن حجر - في شرح قول الإمام البخاري: "باب في أي ساعة يحتجم، واحتجم أبو موسى ليلا"-:

" وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج، ولا تتقيد بوقت دون وقت، لأنه ذكر الاحتجام ليلا." انتهى "فتح الباري" (10/149)

  1. وقال العقيلي رحمه الله: "وليس في هذا الباب - في اختيار يوم للحجامة - شيء يثبت." انتهى "الضعفاء الكبير" (1/150)

  2. وقد عقد ابن الجوزي رحمه الله في كتابه "الموضوعات" (3/211-215) أبوابا كاملة جمع فيها هذه الأحاديث الواردة، ويعقبها بقوله: " هذه الأحاديث ليس فيها شيء صحيح." انتهى 

  3. ويقول الإمام النووي رحمه الله:

"والحاصل أنه لم يثبت شيء في النهي عن الحجامة في يوم معين." انتهى " المجموع " (9/69) وإن كان النووي يحسن حديث توقيت الحجامة في أيام السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين.

  1. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "هذه الأحاديث لم يصح منها شيء." انتهى "فتح الباري" (10/149)

استحباب عمل الحجامة في أيام السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين من الشهر القمري

 

استحب كثير من أهل العلم عمل الحجامة في أيام السابع عشر، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، اعتمادا على عدة حجج:

  1. ورود ذلك بأسانيد صحيحة عن الصحابة رضوان الله عليهم:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

 كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجمون لوتر من الشهر رواه الطبري في "تهذيب الآثار" (رقم/2856) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس به.

وهذا إسناد صحيح. قال أبو زرعة: أجود شيء فيه حديث أنس:  كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجمون لسبع عشرة، ولتسع عشرة، وإحدى وعشرين  "سؤالات البرذعي" (2/757)

وروى الطبري أيضا بعد الأثر السابقة عن رفيع أبو العالية، قال: ( كانوا يستحبون الحجامة لوتر من الشهر)

وعن ابن عون، قال: (كان يوصي بعض أصحابه أن يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة ) قال أحمد: قال سليم: وأخبرنا هشام، عن محمد أنه زاد فيه: وإحدى وعشرين.

ولعل اعتياد الصحابة لذلك كان عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، مما يشعر بأن لهذه الأحاديث المرفوعة أصلا؛ بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى تقوية بعض الأحاديث المرفوعة في ذلك، كالإمام الترمذي حين أخرج حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين  رقم (2051)، قال: حديث حسن.

وكذلك فعل بعض المتأخرين كالسيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/279-280)، وابن حجر الهيتمي في فتاواه (4/351)، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/622، 1847).

وإن كان ما قدمناه من نصوص الأئمة على تضيعف المرفوع أقوى وأظهر.

  1. تأييد ذلك من جهة الطب:

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله – بعد أن أورد أحاديث الحجامة في السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين -:

" وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء: أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره.

وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره.

قال الخلال أخبرني عصمة بن عصام قال حدثنا حنبل قال كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت." انتهى "زاد المعاد" (4/54)

أما بالنسبة لاختيار أيام الأسبوع للحجامة فلم يثبت شيء من ذلك من جهة الطب، فيما نعلم، وإن كان ورد عن بعض الصحابة ذلك، وثبت عن الإمام أحمد أنه كان يتوقى الحجامة يومي السبت والأربعاء، نقل ذلك ابن القيم في "زاد المعاد" (4/54) عن الخلال.

قال ابن مفلح، رحمه الله:

" تكره الحجامة في يوم السبت ويوم الأربعاء نص عليهما في رواية أبي طالب وجماعة وزاد أحمد رواية محمد بن الحسن بن حسان ويقولون يوم الجمعة وهذا الذي قطع به في المستوعب وغيره. وقال المروذي: كان أبو عبد الله يحتجم يوم الأحد ويوم الثلاثاء. قال القاضي: فقد بين اختيار يوم الأحد، والثلاثاء وكره يوم السبت، والأربعاء وتوقف في الجمعة. انتهى كلامه، والقاعدة أنه إذا توقف في شيء خرج فيه وجهان. وعن الزهري مرسلا (من احتجم يوم السبت، أو يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه.) ذكره أحمد واحتج به، قال أبو داود وقد أسند ولا يصح. وذكر البيهقي أنه وصله غير واحد وضعف ذلك، والمحفوظ منقطع انتهى كلامه. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن مكحول مرسلا.، والوضح: البرص. وحكي لأحمد أن رجلا احتجم يوم الأربعاء واستخف بالحديث وقال ما هذا الحديث ؟ فأصابه وضح، فقال أحمد: "لا ينبغي لأحد أن يستخف بالحديث " رواه الخلال. وعن ابن عمر مرفوعا (أن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى منه ) رواه البيهقي بإسناد حسن وفيه عطاف بن خالد وفيه ضعف." انتهى الآداب الشرعية، لابن مفلح (3/333). وكذلك ورد عن ابن معين وعلي بن المديني نحو من ذلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب