الحمد لله.
جاء الإسلام بالأمر بالاجتماع والائتلاف ، ونهى عن الفرقة والاختلاف ، وإذا كان تفرق المسلمين في بلادهم منكَراً : فإنه أشد نكارة إن كان بين ظهراني الكفار ، ففيه إظهار الإسلام بصورة سلبيَّة ، وإظهار المسلمين أنهم أصحاب أهواء شخصية ، وليسوا أصحاب رسالة خالدة.
وحرصاً على اجتماع المسلمين في صلاتهم ، فقد منع العلماء تعدد الجمعة في مدينة واحدة ، إلا لحاجة إلى ذلك : كضيق المسجد ، أو تباعد أطراف المدينة .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما حكم إقامة الجمعة في موضعين ، أو أكثر ، من المدينة ، أو الحارة ، مع بيان الدليل الشافي ؟ .
فأجاب :
"اعلم وفقك الله أن الذي عليه جمهور أهل العلم : تحريم تعدد الجمعة في قرية واحدة ، إلا من حاجة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم في مدينته المنورة مدة حياته صلى الله عليه وسلم سوى جمعة واحدة ، وهكذا في عهد خلفائه الراشدين ، أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهكذا في سائر الأمصار الإسلامية في صدر الإسلام ، وما ذلك إلا لأن الجماعة مرغَّب فيها من جهة الشرع المطهر ؛ لما في اجتماع المسلمين في مكان واحد حال إقامة الجمعة ، والعيد ، من التعاون على البرِّ ، والتقوى ، وإقامة شعائر الإسلام ، ولما في ذلك – أيضاً - من الائتلاف بينهم ، والمودة ، والتعارف ، والتفقه في الإسلام ، وتأسي بعضهم ببعض في الخير ، ولما في ذلك – أيضاً - من زيادة الفضل ، والأجر ، بكثرة الجماعة ، وإغاظة أعداء الإسلام من المنافقين ، وغيرهم ، باتحاد الكلمة ، وعدم الفُرقة .
وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنَّة في الحث على الاجتماع ، والائتلاف ، والتحذير من الفُرقة ، والاختلاف ، فمِن ذلك قول الله عز وجل : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ، وقوله سبحانه : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ) – رواه مسلم ( 1715 ) - .
ومما تقدم يتضح لكم : أن الواجب هو اجتماع أهل المدينة ، أو القرية ، على جمعة واحدة ، كما يجتمعون على صلاة عيد واحدة حيث أمكن ذلك ، من دون مشقة ؛ للأدلة المتقدمة ، والأسباب السالفة ، والمصلحة الكبرى في الاجتماع .
أما إن دعت الحاجة الشديدة إلى إقامة جمعتين ، أو أكثر ، في البلد ، أو الحارة الكبيرة : فلا بأس بذلك ، في أصح قولي العلماء ، وذلك مثل : أن تكون البلد متباعدة الأطراف ، ويشق على أهلها أن يجتمعوا في مسجدٍ واحدٍ : فلا بأس أن يقيموا الجمعة في مسجدين ، أو أكثر ، على حسب الحاجة ، وهكذا لو كانت الحارة واسعة لا يمكن اجتماع أهلها في مسجدٍ واحدٍ : فلا بأس أن يُقام فيها جمعتان ، كالقرية ، ولهذا لما بُنيت " بغداد " ، وكانت واسعة الأرجاء : أقيم فيها جمعتان ، إحداهما : في الجانب الشرقي ، والثانية : في الجانب الغربي ، وذلك في وسط القرن الثاني ، بحضرة العلماء المشهورين ، ولم ينكروا ذلك ؛ لدعاء الحاجة إليه ، ولمَّا قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خلافته : إن في الكوفة ضعَفة يشق عليهم الخروج إلى الصحراء لحضور صلاة العيد أمَر مَن يقيم لهم صلاة العيد بالبلد ، وصلَّى رضي الله عنه بجمهور الناس في الصحراء .
فإذا جاز ذلك في العيد للحاجة : فالجمعة مثله ؛ بجامع المشقة ، والحاجة ، والرفق بالمسلمين ، وقد نصَّ الكثير من العلماء على جواز تعدد الجمعة عند الحاجة" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (2/351) .
فإذا كان هذا في تعدد الجمعة ، فلا شك أن منع إقامة جماعتين متجاورتين في شارع واحد أشد منعاً .
وقد نص العلماء على تحريم بناء مسجد بجوار مسجد آخر إذا كان ذلك سيضر المسجد القديم ويؤدي إلى تفرقة أهله .
فقد سئل الإمام أحمد : كم يستحب أن يكون بين المسجدين إذا أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجداً ؟ قال : لا يُبنى مسجد يراد به الضرار لمسجد إلى جنبه , فإن كثر الناس حتى يضيق عليهم فلا بأس أن يُبنى وإن قرب من ذلك .
فإن لم يقصد الإضرار ولم تكن هناك حاجة إلى بناء مسجد آخر ، ففي جواز بنائه روايتان عن الإمام أحمد ، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يُبنى ، ويجب هدمه إذا بُني .
وقال المرداوي في "تصحيح الفروع" : "وما اختاره شيخ الإسلام هو الصواب" .
انظر : "الفروع" (2/38) .
فالنصيحة لكم جميعاً أن تعملوا على جمع الكلمة وإزالة ما حصل من عداوة و بغضاء بين أهل المسجد ، وتجتمعوا جميعاً على الصلاة في المسجد الذي بني أولاً . وتكون كلمتكم واحدة.
ونسأل الله أن يصلح أحوالكم ، ويهدي قلوبكم ، وأن يجمع كلمتكم على الحق والهدى .
والله أعلم
تعليق