الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

الرد على مَن زعم مِن الرافضة أن أبا بكر وعمر وابنتيهما حاولا قتل النبي !

131386

تاريخ النشر : 23-06-2009

المشاهدات : 117675

السؤال

يا إخوان ، أنا مسلم ، سنَّي ، ذات يوم جعلت أقلب في موقع " اليوتيوب " ، ورأيت مقاطع فيديو لأحد علماء الشيعة ، وكان حديثه عن أن عائشة هي مَن قتلت النبيَّ صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله !! - : وأن هناك ثلاث محاولات لقتل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ! من أبي بكر ، وعمر بن الخطاب ، رضوان الله عليهم عن طريق ابنتيهما حفصة ، وعائشة ، زوجات النبي صلى الله عليه وسلم المحاولات الثلاثة مذكورة في أحد المنتديات الخاصة بهم على الرابط التالي : (تم حذف الرابط). وأكثر ما جعلني خائفاً هو حديث عائشة : لددنا رسولَ الله ، في معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن لدِّه ، ولكنهم لدوه ، وحينما استفاق سألهم ، أو وبخهم ، وغضب من عائشة ، وبعدها مرض النبي ، وتوفي ، فيقول الشيعة : إن عائشة سممته !! لا حول ولا قوة إلا بالله .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

قبل الإجابة على سؤالك أخي الفاضل لا بد من التنبه لأمرين :

1. اعلم أن الرافضة أكذب الفرق المنتسبة للإسلام ، وأن دينهم بُني على ذلك الكذب ، وأنه ليس لهم أعداء يحقدون عليهم ، ويسبونهم الليل والنهار أكثر من الصحابة رضي الله عنهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وقد اتفق أهل العلم بالنقل ، والرواية ، والإسناد ، على أن الرافضة أكذب الطوائف ، والكذب فيهم قديم ، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب .

قال الشافعي : لم أر أحداً أشهد بالزور من الرافضة .

وقال محمد بن سعيد الأصبهاني : سمعت شريكاً يقول : احمل العلم عن كل من لقيتَ إلا الرافضة ؛ فإنهم يضعون الحديث ، ويتخذونه ديناً .

" منهاج السنّة " ( 1 / 59 ) .

2. واعلم أنه لا يجوز للمسلم أن ينظر في مواقع أهل البدع عموماً ، وأهل الرفض خصوصاً ، ولا أن يقرأ كتبهم ، إلا أن يكون متمكناً من دينه ، وعلى علم بمداخل ، ومخارج أهل الضلال .

وانظر في ذلك جواب السؤال رقم : ( 126041 ) .

ثانياً:

ما في الرابط المحال عليه في السؤال يؤكد ما قلناه من كون هذه الطائفة أكذب الفرق المنتسبة إلى الإسلام ، وقد جمعوا مع كذبهم على دين الله : حقدهم العظيم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبهم ، وشتمهم ، وتكفيرهم ، وقذفهم لعائشة الطاهرة رضي الله عنها ، فلا يعجب من يعلم ذلك عنهم عندما يقرأ مثل ذلك المقال المبني على الجهل ، والكذب ، والافتراء ، فقد زعم كاتبه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاول اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ، وقتله ! وأنه فشل في محاولتين ، ونجح في الثالثة ! بالاشتراك مع أبي بكر الصدِّيق ، وحفصة بنت عمر ، وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً ، والرد على هذا الزعم الضال يكون من وجوه إجمالية ، وأخرى تفصيلية .

أما الرد من الوجوه الإجمالية :

1. ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد توفرت فرص كثيرة للصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخلوة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فهما وزيراه ، وصاحباه ، وقد زوجاه من ابنتيهما ، وصاحبه الصدِّيق في الهجرة من مكة إلى المدينة في رحلة استغرقت عشرة أيام ، وقد كان هذا معروفاً عند المسلمين والكفار ، ولذا فقد اختارهما الصحابة الأجلاء أمراء عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنَّى لعاقل أن يزعم أنه لم تتوفر لمثل هؤلاء الصحابة إلا فرصة أو فرصتان لقتل النبي صلى الله عليه وسلم ! بل هي فرص كثيرة ؛ فالزعم بأن أبا بكر وعمر أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم زعم باطل ، يعلم قائله أنه سيصير أضحوكة بين العالَمين بسبب قوله الخبيث هذا ، لكن لأنهم فقدوا الدين ، والعقل ، والحياء : فلم يعد يهمهم ما يقال عنهم ، وكل همهم تفريغ حقدهم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والسعي في تشويه صورتهم ، وأنَّى لعاقل يرى هؤلاء الرافضة وما فعلوه في المسلمين قتلاً وتشريداً ، وما فعله سلفهم من الكيد والمكر في أهل السنَّة ، أنَّى لعاقل أن يصدِّق ترهاتهم ، وتنطلي عليه أكاذيبهم ؟!.

2. وقد كانت الفرص لقتله صلى الله عليه وسلم من قبَل نسائه أكثر ، وخاصة عائشة رضي الله عنها ، والتي كان لها ليلتان مع النبي صلى الله عليه وسلم كل تسع ليالٍ ؛ فقد وهبتها سودة رضي الله عنها ليلتها ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان زوجاً لهن ، يختلي بهن ، وينام على فراشهن ، وكل تلك السنين لم تتوفر فرصة لهن لقتله صلى الله عليه وسلم ؟! هكذا يفكر الرافضة ، وهذه هي عقولهم التي رضوا بتأجيرها لأشياخهم الفرس ، فراحوا يعبثون بها ذات اليمين ، وذات الشمال ، وراحوا يزينون لهم الباطل لتصديقه ، والخرافة لجعلها حقيقة ، والشرك لجعله توحيداً ، والحمد لله الذي نزَّه عقول المسلمين من أن تتلوث بمثل هذه الأفكار ، وقد أكرم الله عبيده بدين مطهَّر ، وخصَّ نبيه صلى الله عليه وسلم بأشرف الناس بعد الأنبياء عليهم السلام لصحبته ، وخصَّ أطهر النساء ليكنَّ زوجاتٍ له ، وأمهات للمؤمنين ، وإن مجرد التفكير بمثل تلك الترهات التي يزعمها الرافضة يبعث على الغثيان ، فكيف أن تكون اعتقاداً ينام معها الواحد منهم ويقوم ؟! .

وأما وجوه الرد التفصيلية :

1. فقد ذكر الكاتب الرافضي ، والذي رضي لنفسه بكنية أخيه وشبيهه : " أبو لؤلؤة " ! أن أول محاولة اغتيال للنبي صلى الله عليه وسلم من قبَل عمر كانت قبل أن يُسلم ! فهل هذا الكاتب المجوسي يعي ما يقول ويكتب ؟! إذ كيف يعد نية عمر – حال شركه - قتل النبي صلى الله عليه وسلم من " محاولات اغتياله " ؟! لقد كان على دين مضاد للإسلام ، وهو لمَّا يسلم بعد ، فماذا تنتظر ممن هذا حاله ؟ لقد اجتمع المشركون على قتاله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ، وفي أكثر من غزوة ، وهذا من الطبيعي أن يفعله من كان متلبساً بالشرك ، وله أرباب كثيرون ، مع من يدعو إلى التوحيد ، ويسفِّه تلك الأرباب والآلهة .

وهذا كله على فرض صحة القصة الواردة في مقاله ! والتي فيها خروج عمر متهددا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، والصواب المقطوع به : أنها قصة منكرة ، ليس لها إسناد صحيح سالم من علَّة ، وأنَّى للرافضة أن يكون لهم نصيب من علم التحقيق والأسانيد ؟! .

فالقصة المذكورة المشهورة في إسلام عمر بعد أن كان يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم : رواها ابن سعد في " الطبقات " ( 3 / 267 – 269 ) ، والدارقطني في " السنن " ( 1 / 123 ) مختصرة ، والحاكم في " المستدرك " (4/59 - 60) من طريق إسحاق بن الأزرق ، عن القاسم بن عثمان البصري ، عن أنس به .

والقاسم بن عثمان البصري هذا هو علَّة الحديث .

قال الذهبي – رحمه الله - في ترجمته - :

القاسم بن عثمان البصري ، عن أنس ، قال البخاري : له أحاديث لا يتابع عليها .

قلت : حدَّث عنه إسحاق الأزرق بمتن محفوظ ، وبقصة إسلام عمر ؛ وهي منكرة جدّاً .

 " ميزان الاعتدال " ( 3 / 375 ) .

2. والمحاولة الثانية لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعم الرافضي : حدثت بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من " تبوك " ، حيث تعرَّض له مجموعة من المنافقين ، وأرادوا قتله صلى الله عليه وسلم بإلقائه من مكانٍ عالٍ ، وقد نجَّاه الله تعالى من هذا ، وكان المكان الذي تم فيه تلك المحاولة يقال له " العقَبة " .

قال ابن الجوزي – رحمه الله - :

هذا الحديث يشكل على المبتدئين ؛ لأن أهل العقبة إذا أطلقوا : فإنما يشار بهم إلى الأنصار المبايعين له ، وليس هذا من ذاك ، وإنما هذه عقبة في طريق تبوك ، وقف فيها قوم من المنافقين ليفتكوا به .

" كشف المشكل من حديث الصحيحين " ( 1 / 257 ) .

والقصة صحيحة ، لا إشكال فيها ، لكن الرافضة الكذَبة زعموا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا من أولئك المنافقين الذين حاولوا قتله صلى الله عليه وسلم ، وهو زعم تافه ، والوقت أنفس من أن يضيع في الرد عليه ، لولا أننا نطمع بإسلام بعض من اغتر بالدين الرافضي ، ونطمع بأن نثبت قلوب عامة أهل السنَّة على الحق الذي وفقهم الله لاتباعه .

روى مسلم ( 2779 ) من طريق الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ ثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ : كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللهِ ؛ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ ؟ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ : أَخْبِرْهُ إِذْ سَأَلَكَ ، قَالَ - يعني حذيفة - : كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ، وَعَذَرَ ثَلاثَةً ، قَالُوا : مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ ، وَقَدْ كَانَ فِي حَرَّةٍ ، فَمَشَى ، فَقَالَ : إِنَّ الْمَاءَ قَلِيلٌ فَلا يَسْبِقْنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ ، فَوَجَدَ قَوْمَاً قَدْ سَبَقُوهُ ، فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ .

انتهى

هذه خلاصة القصة ، كما رواها مسلم رحمه الله ، فهل يمكن لعاقل أن يصدِّق أن يترك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رفقة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يتلثمان ، ويحاولان قتله ؟! ولماذا لم يفعلا هذا قبل ذهابهما معه لـ " تبوك " ؟ ولماذا لم يفعلا هذا أثناء خلوتهما بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عليهما يسير ؟! وقد أوحى الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأسماء أولئك ، وقد عذر منهم ثلاثة ، فكيف يكون أولئك الأجلاء منهم ولا ينبه النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين منهم ؟! وكيف يثني عليهما ، ويأمر بتقديمهما ، ويرضى صحبتهما ونسبهما ؟! وكيف يبايع حذيفة رضي الله عنه ذينك الإمامين أبي بكر وعمر وهو يعلم أنهما من المنافقين ؛ بل جزم لعمر رضي الله عنه أنه ليس من المنافقين ، وقد كان عنده خبر المنافقين من النبي صلى الله عليه وسلم ؟!

أسئلة كثيرة ترد إلى القلب الطاهر ، والعقل الصريح ، ولا جواب عليها إلا أن ما زُعم من الرافضة هو محض كذب ، وافتراء ، وإن عقلية المؤامرة التي يعيشون معها ، ونفسية المريض التي يحيون بها ، والعقيدة الخربة التي يعتقدونها ، كل ذلك يدفعهم إلى إنشاء مثل تلك الخرافة غير المحبوكة ، والتي يضحك منها العقلاء .

إن ناقل هذه القصة هو حذيفة رضي الله عنه ، وهو يخبر بأن من قام بتلك الفعلة الشنيعة هم " أهل العقبة " ، وأين أبو بكر وعمر منهم ؟! وكيف يفعل الرافضة في الروايات التي صرَّحت بأسماء أولئك المنافقين وليس بينهم من ذكروا من الصحابة الأجلاء ؟! .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

وقد ترجم الطبراني في " مسند حذيفة " تسمية أصحاب " العقبة " ، ثم روى عن علي بن عبد العزيز عن الزبير بن بكار أنه قال : هم مُعَتِّب بن قشير ، ووديعة بن ثابت ، وجد بن عبد الله بن نَبْتَل بن الحارث من بني عمرو بن عوف ، والحارث بن يزيد الطائي ، وأوس بن قَيْظِي ، والحارث بن سُوَيْد ، وسعد بن زرارة ، وقيس بن فهد ، وسويد وداعس من بني الحبلي ، وقيس بن عمرو بن سهل ، وزيد بن اللصيت ، وسلالة بن الحمام ، وهما من بني قينقاع أظهرا الإسلام .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 182 ، 183 ) .

وقد لبَّس صاحب المقال على الناس بالنقل عن " ابن حزم " رحمه الله مرتين :

الأولى : زعمه أن " الوليد بن جُميع " له رواية يذكر فيها أسماء الصحابة الذين شاركوا في مؤامرة الاغتيال تلك ، وبما أن ابن حزم يضعف هذا الرواي : فإنه يلزم قبول الرواية عند من يوثقه ، ويحسن حديثه ! .

والثانية : ذِكر كتاب ابن حزم المسمى بـ " المحلى " كأحد مصادر وجود تلك الرواية التي احتوت على أسماء أولئك الصحابة .

وهذا نص كلامه :

ابن حزم في " المحلى بالآثار " ج12 ح 2203 كتاب الحدود يقول :

" وأما حديث حذيفة : فساقط ؛ لأنه من طريق الوليد بن جميع ، وهو هالك ! ولا نراه يعلم من وضع الحديث ؛ فإنه قد روى أخباراً فيها أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنهم : أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وآله ، وإلقاءه من " العقبة " في " التبوك " !! " .

نرى أن ابن حزم يُسقط الحديث لوليد بن جميع ، والحال : أن وليد من رجال البخاري ، ومسلم ، وسنن أبي داود ، وصحيح ترمذي ، وسنن نسائي ، والحال : أن كثيراً من كتب الرجال صرحوا بوثاقة ! وليد بن جميع .

انتهى

والرد على ذلك من وجوه :

1. " الوليد بن جُميع " ليس من رجال البخاري ؛ إذ لم يرو له في الصحيح حديثاً واحداً ، بل روى له خارجه ، ومثله لا يقال عنه " من رجال البخاري " .

2. أخطأ ابن حزم رحمه الله في وصف الوليد بالهلاك ، وأعدل الأقوال فيه أنه " صدوق يهم " كما وصفه به الحافظ ابن حجر في التقريب .

وفي " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم ( 9 / 8 ) :

عن الإمام أحمد وأبي زرعة أنهما قال فيه : " ليس به بأس " ، وأن يحيى بن معين وثقه ، وقال أبو حاتم الرازي : " صالح الحديث " .

3. لا يُعرف في الدنيا إسناد فيه ذِكر أولئك الصحابة الأجلاء أنهم اشتركوا في محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وابن حزم يضعف ذلك الراوي أصلاً ، قبل هذا الحديث ، والمفهوم من كلامه رحمه الله أن وضع أسماء أولئك الصحابة كان مقحماً في إسناد الوليد الأصلي للحديث ، وأنه لا دخل له به ، ومما قاله ابن حزم رحمه الله في هذا الصدد : " ولا نراه يَعلم مَن وضع الحديث " ، فالحديث بذكر أولئك الصحابة مكذوب قطعاً على الوليد بن جُمَيع رحمه الله ، ومن هنا كان لا بدَّ من تبيه المسلمين على ما حذفه ذلك الرافضي من كلام ابن حزم رحمه الله ، فإنه قال بعدها مباشرة :

" وهذا هو الكذب الموضوع ، الذي يَلعن الله تعالى واضعَه ، فسقط التعلق به ، والحمد لله رب العالمين " .

" المحلى " ( 11 / 224 ) .

فانظر كيف دلَّس ، ولبَّس ، في نقله عن ابن حزم رحمه الله ، وهذا الدعاء الذي دعا به ابن حزم رحمه الله لا يمكن إلا أن يصيب رافضيّاً ؛ لأنهم هم الذين يكذبون مثل هذه الأكاذيب ، ويركبونها على أسانيد صحيحة ، مشهورة .

4. ولو أننا جعلنا ذِكر أسماء المنافقين الذين ذكرهم الزبير بن بكار ، والواردة أسماؤهم في رواية البيهقي في " دلائل النبوة " من الضعيف غير المقبول : فإننا نقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم استأمن حذيفة رضي الله عنه على أسمائهم ، وهو أمين سر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكاتمه ، فمِن أين عرفوا أسماء أولئك الملثمين من المنافقين الذين هموا بقتله صلى الله عليه وسلم ؟! وللإجابة على هذا السؤال كذب الرافضة فزعموا أن حذيفة رضي الله عنه أخبر بأسمائهم ! فانظر إليهم كيف جعلوا حذيفة خائناً للسر ، وليس المهم عندهم إلا تحقيق مأربهم من الطعن في أجلاء الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يهمهم الثمن الذي يبذلونه من أجل ذلك .

قال ذلك الرافضي المجوسي في مقاله :

" وفي زمن حكم عثمان بن عفان صرَّح حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه بأسماء الذين حاولوا قتل النبي في العقبة ، وكان منها أسماء أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبا موسى الاشعري ، وأبو سفيان بن حرب ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الرحمن بن عوف .

المصدر : " المحلى " لابن حزم الأندلسي ج 11 ص 225 ، و" منتخب التواريخ " ص 63 ".

انتهى كلامه بما فيه من أخطاء نحوية وركاكة .

والرد على هذا من وجوه مختصرة :

أ. أنتم بذلك جعلتم حذيفة رضي الله خائناً لسر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان كذلك فهو حري أن لا يُقبل كلامه ! وقد ائتمنه النبي صلى الله عليه وسلم عموماً بكتم أسماء المنافقين ، وتحديداً أسماء هؤلاء ، فكيف تترضون عنه مع خيانته للأمانة ؟! وأما نحن فننزه حذيفة رضي الله عنه عن خيانة الأمانة ، ونجزم بأنه لم يفعل ما تفترونه عليه .

ب. أين الرواية التي فيها إخبار حذيفة بأسماء من نوى قتل النبي صلى الله عليه وسلم ؟! وما هو إسنادها ؟ .

ج. ما ذكروه هنا يؤكد ما قلناه من براءة " الوليد بن جمَيع " من الكذب ، وذِكر أسماء أولئك الأجلاء من الصحابة ، فروايته للحديث كانت خالية من الأسماء ، والرافضة قد نسبوا الإخبار بتلك الأسماء لحذيفة رضي الله عنه ! فليس توثيق الوليد يعني قبول الرواية التي فيها أسماء أولئك الصحابة – كما سبق ذِكره – فهو ليس موجوداً في إسنادها ، بل الرواية نفسها ليست موجودة أصلاً ! .

د. إحالتهم على " المحلى " من التدليس ، والتلبيس ، فابن حزم رحمه الله كذَّب الرواية التي فيها ذِكر تلك الأسماء ، وغير خافٍ على أحد عظيم كذب الرافضة .

هـ. إحالتهم على " منتخب التواريخ " ليس بنافعهم ؛ لسبيين :

الأول : الكتاب مؤلفه محمد هاشم الخراساني ، وهو رافضي خبيث ، متأخر الوفاة (ت: 1352هـ) ، فهو قريب العهد جدا من ذلك الكذاب الذي نناقشه .

الثاني : لا يقبل كلام أحد غير مسنَد ، ولو كان ثمة إسناد لنقلوه فرحين .

5. لا يلزم من مخالفة الأئمة لابن حزم في الحكم على " الوليد بن جُميع " أن تكون الرواية التي فيها أسماء : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومن معهم : صحيحة ؛ إذ لا وجود لها أصلاً ، وإنما يلزم الأئمة قبول رواية مسلم التي فيها ذِكر الحادثة من طريق " الوليد " ، ولا نعلم أحداً من المشتغلين بالحديث يقدِّم ابن حزم على مَن ذكرنا مِن أئمة الشأن مِن أهل الحديث .

6. وعليه : فثمة أمران :

الأول : الرواية الأصلية التي في صحيح مسلم من غير ذِكر أسماء أحد من المنافقين الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم : ضعيفة عند ابن حزم ؛ لضعف الوليد بن جُميع عنده ، وقد سبق أن ضعفه في حديث حذيفة وأبيه عندما عاهدوا المشركين على عدم قتالهم في " بدر " ، والحديث رواه مسلم أيضاً .

والثاني : الرواية التي فيها ذِكر أسماء من قام بتلك المحاولة ، والتي فيها ذِكر أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، وغيرهم : موضوعة ، مكذوبة موضوعة ، كما قال ابن حزم رحمه الله ! وقد دعا رحمه الله على من افتراها ، وجزم بكذبها ، وليست علة الرواية هذه وجود الوليد بن جميع ، وإنما افتراها كذاب مجهول ، وألصقها برواية الوليد ، وقد جزم ابن حزم رحمه الله بأن الوليد لا يعلم من وَضعها ، وهو الذي نجزم به .

7. والعجيب عندنا هو أنه لا توجد رواية عند الرافضة في إثبات أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، رضي الله عنهم حاولوا اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم في " عقبة تبوك " ، ولم يجدوا ما يتعلقوا به غير كلام ابن حزم رحمه الله ، ولنسمل عيونهم ، ونرغم أنوفهم بهذا النقل عنه ، لعلهم يكفوا عن الاستدلال بكلامه .

قال – رحمه الله - :

وأما قولهم – أي : النصارى - في دعوى الروافض تبديل القرآن : فإن الروافض ليسوا من المسلمين ! إنما هي فرَقة حدثَ أولُّها بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، وكان مبدؤها : إجابة ممن خذله الله تعالى لدعوة مَن كاد الإسلام ، وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب ، والكفر !!

وهي طوائف ، أشدهم غلوّاً : يقولون بإلهية علي بن أبي طالب ، وإلهية جماعة معه ، وأقلهم غلوّاً : يقولون إن الشمس رُدَّت على علي بن أبي طالب مرتين ، فقومٌ هذا أقل مراتبهم في الكذب : أيُستشنع منهم كذب يأتون به ؟! .

وكل مَن لم يزجره عن الكذب ديانة ، أو نزاهة نفس : أمكنه أن يكذب ما شاء ، وكل دعوى بلا برهان : فليس يَستدل بها عاقل ، سواء كانت له ، أو عليه ، ونحن إن شاء الله تعالى نأتي بالبرهان الواضح الفاضح لكذب الروافض فيما افتعلوه من ذلك .

" الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل " ( 2 / 65 ) ط الخانجي ، و ( 2 / 213 ) ط الجيل .

فسقط – بفضل الله – تعلق الرافضة المجوس بتلك الرواية غير الموجودة أصلاً ، وتبين للناس أن ابن حزم رحمه الله يجزم بكذبها ، فما نراه في مواقع الرافضة من تعلقهم بكلام ابن حزم رحمه الله قد تبين لهم وجهه ، وأنه لا يفيدهم في إثبات دعواهم ، والحمد لله رب العالمين .

ثالثاً:

أما المحاولة الثالثة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي نجحت بزعم الرافضة : فهي زعمهم أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قد وضعتا السم في فم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه مات نتيجة لذلك ! وأن ذلك الفعل منهما كان بتحريض أبويهما : أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما .

وكان مما قاله ذلك الأفاك الأثيم :

" وهذه الروايات الموثقة في كتب الحديث عند أهل السنة تكشف أن هناك مؤامرة كبرى دبرها المخططون لقلب النظام الإسلامي ، والسيطرة على دفة الحكم ، وذلك لاغتيال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وتجريعه سمّاً على أنه دواء للشرب ! " .

انتهى

وقال :

" والأرجح ! أنَّ من نفذ هذه العملية هي عائشة وحفصة ! زوجتا النبي صلى الله عليه وآله ، وبتخطيط من عمر بن الخطاب ، وأبي بكر ، وأمرٍ منهما ؛ حيث إن المستفيد الأكبر : هما ، وهما اللذان تحققت أهدافهما ، ومصالحهما بقتل النبي صلى الله عليه وآله " .

انتهى

وهذا نص الرواية ، وكلام العلماء فيها ، وأوجه الرد على الرافضة في زعمهم الكاذب :

عن عَائِشَة قالت : لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ، وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا ( لَا تَلُدُّونِي ) ، فَقُلْنَا : كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ بِالدَّوَاءِ ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ : ( أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي ) ، قُلْنَا : كَرَاهِيَةٌ لِلدَّوَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ،  إِلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ ) .

رواه البخاري ( 6501 ) ومسلم ( 2213 ) .

وعن أَبي بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ : أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، فَتَشَاوَرَ نِسَاؤُهُ فِي لَدِّهِ ، فَلَدُّوهُ ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ : ( مَا هَذَا ؟ ) ، فَقُلْنَا : هَذَا فِعْلُ نِسَاءٍ جِئْنَ مِنْ هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ - وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فِيهِنَّ قَالُوا : كُنَّا نَتَّهِمُ فِيكَ ذَاتَ الْجَنْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( إِنَّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيَقْرَفُنِي بِهِ ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا الْتَدَّ ، إِلَّا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَعْنِي : الْعَبَّاسَ - ) .

قَالَ : فَلَقَدْ الْتَدَّتْ مَيْمُونَةُ يَوْمَئِذٍ ، وَإِنَّهَا لَصَائِمَةٌ ، لِعَزْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

رواه أحمد ( 45 / 460 ) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 3339 ) .

اللّدود : هو الدواء الذي يُصب في أحد جانبي فم المريض ، أو يُدخل فيه بأصبع وغيرها ويحنك به ، وأما الوُجور : فهو إدخال الدواء في وسط الفم ، والسُّعوط : إدخاله عن طريق الأنف .

وذات الجنب : ورمٌ حار يَعْرِضُ فى نواحى الجَنب فى الغشاء المستبطن للأضلاع .

ويلزم ذاتَ الجنب الحقيقى خمسةُ أعراض ، وهى : الحُمَّى ، والسعال ، والوجع الناخس ، وضيق النَّفَس ، والنبضُ المنشاري .

ينظر: " زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 4 / 81 – 83 ) .

ولنا مع هاتين الروايتين وقفات :

1. إن مَن نقل هذه الحادثة للعالَم هو عائشة رضي الله عنها ! فكيف تنقل للناس قتلها لنبيها ، وزوجها ، وحبيبها ، صلى اله عليه وسلم ؟! وكذلك روت الحادثةَ أم سلمة ، وأسماء بنت عُمَيس ، رضي الله عنهما ، وكل أولئك متهمات في دينهن عند الرافضة ، ومشاركات في قتله صلى الله عليه وسلم ! ومع ذلك قبلوا روايتهن لهذا الحديث ؛ فاعجبوا أيها العقلاء !

2. كيف عرف الرافضة المجوس مكونات الدواء الذي وضعته عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم ؟! .

3. النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يوضع الدواء نفسه في فم كل من كان في الغرفة ، إلا العباس رضي الله عنه ، فلماذا مات هو صلى الله عليه وسلم منه ، ولم يموتوا هم ؟! .

4. لماذا لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمَّه العباس رضي الله عنه بما فعلوه من وضع السم في فمه صلى الله عليه وسلم حتى يقتص ممن قتله ؟! إذا قلتم أخبره : فأين الدليل على إخباره ، وإن قلتم : لم يخبره : فكيف علمتم أنه سمٌّ وليس دواء ، والعباس نفسه لم يعلم ؟! .

5. السم الذي وضعته اليهودية في الطعام الذي قُدِّم للنبي صلى الله عليه وسلم كُشف أمره من الله تعالى ، وأخبرت الشاةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنها مسمومة ، فلماذا لم يحصل معه صلى الله عليه وسلم الأمر نفسه في السمّ ! الذي وضعته عائشة في فمه ؟! .

6. لم يُعط الدواء للنبي صلى الله عليه وسلم من غير علَّة ، بل أعطيه من مرضٍ ألمَّ به .

7. لم يُعط النبي صلى الله عليه وسلم الدواء إلا بعد أن تشاور نساؤه رضي الله عنهن في ذلك الإعطاء .

8. لا ننكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مات بأثر السم ! لكن أي سم هذا ؟ إنه السم الذي وضعته اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم في طعام دعته لأكله عندها ، وقد لفظ صلى الله عليه وسلم اللقمة ؛ لإخبار الله تعالى بوجود السم في الطعام ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه أنه يجد أثر تلك اللقمة على بدنه ، ومن هنا قال من قال من سلف هذه الأمة إن الله تعالى جمع له بين النبوة والشهادة .

والعجيب أن بعض الرافضة يُنكرون هذه الرواية ، ويبرؤون اليهود من تلك الفعلة الدنيئة ، مع تواتر الرواية ، وصحة أسانيدها ، ومع إخبار الله تعالى أن اليهود يقتلون النبيين ، ومع ذلك برأتهم الرافضة ! وغير خاف على مطلع سبب ذلك الدفاع عن اليهود من قبَل الرافضة ، وما ذاك إلا لأن مؤسس هذا المذهب هو " عبد الله بن سبأ " اليهودي ! فصار من الطبيعي أن يُبرَّأ اليهود مع صحة الرواية ، وتلصق التهمة بأجلاء الصحابة مع عدم وجود مستند صحيح ، ولا ضعيف ! .

9. من الواضح في الرواية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهمن من نهي النبي صلى الله عليه وسلم بعدم لدِّه أنه نهي شرعي ، بل فهموا أنه من كراهية المريض للدواء ، وفهمهم هذا ليس بمستنكر في الظاهر ، وقد صرَّحوا بهذا ، وإن لم يكن لهم عذر عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الأصل هو الاستجابة لأمره صلى الله عليه وسلم ، قد أخطؤوا في تشخيص دائه صلى الله عليه وسلم ، لذا فقد ناولوه دواء لا يناسب علته .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وإنما أنكر التداوى لأنه كان غير ملائم لدائه ؛ لأنهم ظنوا أن به " ذات الجنب " ، فداووه بما يلائمها ، ولم يكن به ذلك ، كما هو ظاهر في سياق الخبر ، كما ترى .

" فتح الباري " ( 8 / 147 ، 148 ) .

10. وهل اقتص منهم صلى الله عليه وسلم ، أم أراد تأديبهم ؟ الظاهر أن ما فعله صلى الله عليه وسلم من إلزامهم بتناول ذلك اللدود أنه من باب التأديب ، ومما يدل على أنه ليس من باب القصاص : أنه لم يلزمهم بالكمية نفسها التي وضعوها له .

قال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله -

فإن قال قائل : فهل كان ما أمر أن يُفعل قصاصاً ممن أمر أن يفعل ذلك به مما فعلوه به ؟ قيل له : قد يحتمل أن يكون ذلك كان منه على العقوبة ، والتأديب , حتى لا يَعُدن إلى مثله , ومما يدل على أن ذلك ليس على القصاص : أنه لم يَأمر أن يُلدُّوا بمقدار ما لَدُّوه به من الدواء ؛ لأنه لو كان قصاصاً : لأمر أن يُلدوا بمقدار ما لَدوه به ، لا بأكثر منه .

" شرح مشكل الآثار " ( 5 / 198 ) .

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

والذي يظهر أنه أراد بذلك تأديبهم ؛ لئلا يعودوا ، فكان ذلك تأديباً ، لا قصاصاً ، ولا انتقاماً .

" فتح الباري " ( 8 / 147 ) .

11. الاشتباه بنوع مرضه صلى الله عليه وسلم : محتمل ؛ لأن كلاًّ منهما – أي : ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من مرض ، وما ظنوه – له الاسم نفسه ، فكلاهما يُطلق عليه " ذات الجنب " ، وكلاهما له مكان الألم نفسه ، وهو " الجنب " .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

وذاتُ الجنب عند الأطباء نوعان : حقيقي ، وغيرُ حقيقي ، فالحقيقي : ورمٌ حار يَعْرِضُ في نواحي الجَنب ، في الغشاء المستبطن للأضلاع ، وغير الحقيقي : ألم يُشبهه يَعْرِضُ في نواحي الجنبِ ، عن رياح غليظة ، مؤذيةٍ ، تحتقِن بين الصِّفاقات – وهي الأغشية التي تغلف أعضاء البطن - ، فتُحْدِث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقي ، إلا أن الوجعَ فى هذا القسم ممدودٌ ، وفي الحقيقي ناخسٌ .

وقال :

والعلاج الموجود في الحديث : ليس هو لهذا القسم ، لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة ، فإنَّ القُسْطَ البحري - وهو العود الهندى على ما جاء مفسَّراً فى أحاديث أُخَر - صِنفٌ من القُسْط ، إذا دُقَّ دقاً ناعماً ، وخُلِط بالزيت المسخن ، ودُلِكَ به مكانُ الريح المذكور ، أو لُعِق : كان دواءً موافقاً لذلك ، نافعاً له ، محلِّلاً لمادته ، مُذْهِباً لها ، مقويّاً للأعضاء الباطنة ، مفتِّحاً للسُّدد ، والعودُ المذكور فى منافعه كذلك .

" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 4 / 81 ، 82 ) .

فهنَّ رضي الله عنهن اعتقدن أن مرضه صلى الله عليه وسلم هو الأول الحقيقي ، وهو الذي استبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتليه الله به ، وقد ناولوه دواء المرض الآخر ، وكان الدواء هو " القُسط الهندي " وقد دقوه وخلطوه بزيت – كما في رواية الطبراني - ، وهو مفيد لمن تناوله حتى لو لم يكن به مرض ، لذا فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من شارك في إعطائه له ، ومن رضي به : أمر أن يلد به ! ولو كان فيه ضرر لم يكن ليأمر بذلك صلى الله عليه وسلم .

12. ليس في الروايتين – ولا في غيرها – ذِكرٌ لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وإنما الذي تشاور في الأمر هم نساؤه رضي الله عنهن ، ولا فيهما أن عائشة وحفصة استشارتا أبويهما في ذلك التصرف .

وبما سبق يتبين – بفضل الله وتوفيقه – عدم ثبوت أيٍّ من مزاعم ذلك الرافضي ، ومثله ما زعمه من سمِّي " نجاح الطائي " في كتابه الهالك " هل اغتيل النبي محمَّد " .

ولقد تبين لنا ، كلما رددنا على الرافضة شبهة من شبهاتهم ، ضحالة تفكيرهم ، وسوء معتقدهم ، كما تبين لنا قوة أهل السنَّة في حجتهم ، وصحة أدلتهم ، واستدلالاتهم ، وهي نعمة عظيمة منَّ الله بها أن أخرجنا من الظلمات إلى النور ، وأن رزقنا منهجاً سليماً ، وطريقاً مستقيماً ، وأبان لنا المحجة ، وأنار لنا الدرب ، فلا يزيغ عن الطريق بعد ذلك إلا هالك .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب