الحمد لله.
أولاً :
نهى الله تعالى عن البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة/9 .
ثانياً :
اختلف أهل العلم عند أي النداءين يحرم البيع ، على قولين :
مذهب الحنفية : يحرم البيع عند الأذان الأول .
مذهب الجمهور : أن التحريم متعلق بالأذان الثاني – الذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر .
يُنظر "الموسوعة الفقهية الكويتية" (9/224) .
والقول الراجح : هو قول الجمهور ؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أذان واحد للجمعة – بعد أن يجلس الإمام على المنبر – ، فيتعين أن يكون هذا الأذان هو المراد في الآية ( فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) حين نزلت ، ولأن البيع عند هذا الأذان يشغل عن الصلاة ، ويكون ذريعة إلى فواتها ، أو فوات بعضها .
قال ابن قدامة في "المغني" (2/145) : " والنداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم هو النداء عَقِيْب جلوس الإمام على المنبر ، فتعلق الحكم به دون غيره . ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده " انتهى .
والدليل على أن النداء الأول إنما زيد في عهد عثمان رضي الله عنه ، حديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ ( كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ " قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ ) رواه البخاري (912) .
وقوله " زاد النداء الثالث " معناه أن للجمعة ثلاثة نداءات : الأذان الأول الذي زاده عثمان رضي الله عنه ، والأذان الثاني الذي يكون عند الخطبة ، والأذان الثالث وهو الإقامة ؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً ، كما في حديث عبد الله بن مغفل المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ) رواه البخاري (624) ومسلم (838) .
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (12/180) : " الإقامة يطلق عليها اسم الأذان إطلاقاً تغليبياً كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " بين كل أذانين صلاة " أي بين كل أذان وإقامة . أو إطلاقاً مجازياً أو حقيقياً باعتبار معنى الأذان العام لغة كما في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال : " إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين كثر أهل المدينة " . الحديث . وليس في الجمعة سوى أذانين وإقامة ، فسمى الإقامة أذاناً إما تسمية مجازية أو حقيقية باعتبار معنى الأذان العام " انتهى .
والخلاصة : أن تحريم البيع يوم الجمعة إنما يكون بعد الأذان الثاني ، والذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر .
والله أعلم
تعليق