الحمد لله.
1. إذا كان الميت قد أوصى لشخص معين بأن يغسله : فهو أولى الناس بتغسيله ، إذا كان هناك شخص آخر يتصدى لتغسيل الميت . وغالبا ما يكون لهذه الرغبة سبب معتبر .
وقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه زوجته أسماء بنت عميس بغسله بعد موته ، وأوصت فاطمة زوجها عليّاً بغسلها ، وأوصى أنس بن مالك تلميذَه التابعي الجليل محمد بن سيرين بالأمر نفسه ، وقد نفَّذ الأوصياء جميعاً ما أوصوا به ، وهم مقدمون على أقرب الناس من الميت .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
قوله : " وأوْلى الناس بغسله : وصيُّه " ، أي : لو تنازع الناس فيمن يغسل هذا الميت ، قلنا : أولى الناس بغسله : وصيه ، أي : الذي أوصى أن يغسله .
واستفدنا من قول المؤلف : " وصيه " أنه يجوز للميت أن يوصي ألاَّ يغسله إلا فلان ، والميت قد يوصي بذلك لسبب ، مثل : أن يكون هذا الوصيُّ تقيّاً يستر ما يراه من مكروه ، أو أن يكون عالِماً بأحكام الغسل ، أو أن يكون رفيقاً ... " .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 5 / 265 ، 266 ) .
وهل تنفيذ الوصية في مثل هذه الأحوال واجب شرعي على الموصى إليه ؟ الظاهر : عدم وجوب ذلك ؛ فلا واجب شرعي إلا ما جاء من الشرع ، ولو كان ذلك واجبا شرعيّاً لوقع كثيرون في حرج ، وخاصة أهل العلم والفضل ، فكل المحبين لهم يودون لو غسلهم أولئك العلماء والفضلاء ، وصلوا عليهم ، وهذا يوقعهم في حرج بلا ريب ، ولذا لم يكن واجباً تنفيذ مثل هذه الوصايا .
ومما يستدل به على عدم وجوب تنفيذ الوصية : قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/ 240 .
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله – في فوائد هذه الآية - :
ومنها : أن المرأة يحل لها إذا أوصى زوجها أن تبقى في البيت : أن تخرج ، ولا تنفذ وصيته ؛ لقوله تعالى : ( فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) ؛ لأن هذا شيء يتعلق بها ، وليس لزوجها مصلحة فيه .
ويتفرع عليه : لو أوصى الزوج الزوجة ألا تتزوج من بعده : لا يلزمها ؛ لأنه إذا كان لا يلزمها أن تبقى في البيت مدة الحول : فلأن لا يلزمها أن تبقى غير متزوجة من باب أولى .
وكذلك يؤخذ منه قياساً : كل مَن أوصى شخصاً بأمر يتعلق بالشخص الموصى له : فإن الحق له في تنفيذ الوصية ، وعدم تنفيذها .
" تفسير سورة البقرة " ( 3 / 187 ، 188 ) .
وأما الوصية التي يجب تنفيذها : فهي فيما يتعلق بماله الذي كان يملكه ، وحتى هذا فإنه مرتبط بالشرع ، فلا يحل له أن يوصي بأكثر من الثلث ، ولا يوصي لوارث .
2. شرط تولي الموصى إليه غسل المتوفَّى : أن يكون صالحاً لذلك ، قادراً عليه ، وإلا لم يشرع له القيام بذلك ، وعندها يتولى تغسيل المتوفى : الأقرب فالأقرب ، ممن يُحسن تغسيل الأموات .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
وهذا الترتيب في الأولوية : إذا كانوا كلهم يحسنون التغسيل ، وطالبوا به , وإلا فإنه يقدَّم العالم بأحكام التغسيل على مَن لا علم له .
والمرأة تغسلها النساء , والأولى بتغسيل المرأة الميتة : وصيتها , فإن كانت أوصت أن تغسلها امرأة معينة : قُدِّمت على غيرها ، إذا كان فيها صلاحية لذلك , ثم بعدها تتولى تغسيلها القربى ، فالقربى من نسائها .
" الملخص الفقهي " ( 1 / 300 ) .
وعليه : فالأولى لبنات الأم الميتة أن يقمن بتغسيلها ، بشرط أن يكنَّ على علم بطريقة التغسيل الشرعي ، وبشرط أهم : وهو أن يكون عندهن القدرة والجلد على القيام بذلك ، بحيث لا يقعن في إثم النياحة ، وشق الثياب ، وغيرها مما نهين عنه .
03 ولا يلزمهن اتباع المغسّلة إلى موضع الغسل ، إلا إذا احتاجت إلى من يساعدها ، وهن قادرات على ذلك ، من غير أن يقعن في الإثم .
5. يشرع تقديم التعزية لأهل الميت ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزَّى أهل جعفر بن أبي طالب لما استشهد في مؤتة ، وسيأتي ذِكر ذلك عن عائشة رضي الله عنها .
6. وتكون التعزية بمثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ لله مَا أَخَذَ ، وَلَهُ مَا أَعْطَى ، وَكُلٌّ إلى أَجَل مُسَمَّى ، فَلْتَصْبرْ وَلْتَحْتَسب ) رواه البخاري ( 1284 ) ومسلم ( 923 ) ، أو قول " عَظَّم الله أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ " ، أو أي كلمات طيبة تعين على الصبر ، وتذكّر بالرضا بقدر الله ؛ لأن المقصود من التعزية : تسلية أهل المصيبة في مصيبتهم ، ومواساتهم ، وجبرهم .
7. يجوز الذهاب لتعزية أهل الميت ، ومجالستهم بقصد التخفيف عنهم ، وخاصة النساء ، فهنَّ أحوج من الرجال للتعزية ، والتذكير بالله تعالى ، وبوجوب التسليم بقضائه ، وقدَره ؛ لما يكثر منهن النياحة ، وشق الثياب ، ورفع الصوت ، عند تلك المصائب ، وهو ما كانت تفعله النساء الصحابيات ، بل كانت الفقيهة عائشة رضي الله عنها تصنع لأهل الميت طعاماً يخفف عنهن الحزن ، فتجمع بين الأمور المعنوية ، والحسية ، في سبيل تخفيف المصاب عليهن .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ ) .
رواه البخاري ( 5101 ) ومسلم ( 2216 ) .
وقول عائشة في الحديث " أنها كانت إذا مات الميت " : يدل على أنها كانت عادة عندهم ، وأن ذلك كان يتكرر منها .
وقولها " ثم تفرقن " يدل على أنهنَّ كنَّ مجتمعات .
وقولها " ثم تفرَّقن إلا أهلها " يدل على أن غيرهنَّ كان معهنَّ ، ثم انصرفن ، لكن بحيث لا يكون في اجتماعهن نياحة ، ولا وقوع في إثم ، ولا يشققن على أهل الميت .
ولمعرفة " التلبينة " وفوائدها ، وطريقة صنعها : فلينظر جواب السؤال رقم : ( 60311 ) .
والله أعلم .
تعليق