الحمد لله.
أولاً :
الأصل في هذا أن يتولى أموال اليتامى : الوصي الذي أوصى له الأب ، سواء كان الوصي من الأقارب كالأم أو العم أو الجد أو غيرهم .
فإن لم يوص الأب لإنسان معين بالولاية على مال أبنائه ، فيكون الجد ( أبو الأب ) هو القائم والمسئول عن أموالهم .
فإن لم يكن الجد موجوداً ، فتكون الولاية للأم ، أو للأقرب من العصبات كالأخ والعم ونحوهم ، فإذا تصدى لها أكثر من واحد من العصبات ، وهم في درجة واحدة ، اختار الحاكم أصلحهم لهذه الولاية ، من حيث الأمانة والقوة على حفظ المال وصيانته .
قال شيخ الإسلام : " والولاية على الصبي والمجنون والسفيه تكون لسائر الأقارب ... ، وتكون الولاية لغير الأب والجد والحاكم ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ومنصوص أحمد في الأم ؛ وأما تخصيص الولاية بالأب والجد والحاكم فضعيف جدا ". انتهى .
"الفتاوى الكبرى" (5/397).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " الولاية تكون لأولى الناس به ، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة ؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه ، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره.
وهذا هو الحق ـ إن شاء الله تعالى ـ ، وعليه فالجد أو الأب يكون ولياً لأولاد ابنه ، والأخ الشقيق ولياً لأخيه الصغير ، والأم إذا عدم العصبة تكون ولية لابنها ، نعم إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة والحب والعطف ، فحينئذٍ نلجأ إلى الحاكم ليولي من هو أولى ". انتهى "الشرح الممتع" (9/86).
ثانياً :
بناء على ما سبق فإن الولاية على أموال هؤلاء اليتامى تكون لجدهم ، فإن كان الجد عاجزاً أو لا يستطيع القيام بإدارة أموالهم ، فتنتقل الولاية للأم.
ولا تأثير لزواج الأم في ولايتها على أبنائها ، ففرق بين الحضانة والولاية على المال ، فالحضانة تسقط بالزواج ، وأما الولاية على المال فلا تسقط بالزواج .
ثالثا :
والواجب على ولي مال اليتيم سواء كان الجد أو الأم أو غيرها العناية بأموالهم وتنميتها ، والحرص على استعماله بما يحقق لهم المصلحة ويعود عليهم بالنفع.
لقوله تعالى : (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بما فيه مصلحة وتنمية له .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ ، وَأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ يُضَارِبُ لَهُ بِهِ ، وَيَجْعَلُ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ ، أَباً كَانَ ، أَوْ وَصِيًّا ، أَوْ حَاكِمًا ، أَوْ أَمِينَ حَاكِمٍ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ .
وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ : ابْنُ عُمَرَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . ويُرْوَى إبَاحَةُ التِّجَارَةِ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالضَّحَّاكِ .
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ اجْتِنَابَ الْمُخَاطَرَةِ بِهِ ، وَلِأَنَّ خَزْنَهُ أَحْفَظُ لَهُ .
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْلَى لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْمَرْفُوعِ .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ ، لِتَكُونَ نَفَقَتُهُ مِنْ فَاضِلِهِ وَرِبْحِهِ ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْبَالِغُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ . إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَّجِرُ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْآمِنَةِ ، وَلَا يَدْفَعُهُ إلَّا لِأُمَّيْنِ وَلَا يُغَرِّرُ بِمَالِهِ " انتهى . "المغني" (6/338-339) .
وإذا كانت الأم ، أو القائم على مالهم عاجزا عن إدارة أمولهم بما يعود عليهم بالخير والنفع ، فإن الولاية تنتقل لمن بعده ، ممن هو أهل لهذه المسئولية .
قال شيخ الإسلام : " لا يجوز أن يُولَّى على مال اليتامى إلا من كان قوياً ، خبيراً بما وُلي عليه ، أمينا عليه ، والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يُستبدل به من يَصلح ". انتهى "مجموع الفتاوى" (30/44) .
والله أعلم .
تعليق