الحمد لله.
إذا نُسب السوء والمكروه إلى أحد فلا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى :
أن يكون هذا الشخص المذكور بالشر معلوما لدى الحاضرين أو السامعين أو القارئين : فَذِكرُه بما يكره حينئذ – مِن غير سبب شرعي – يعد مِن الغيبة المحرمة المتفق عليها ، سواء كان حيا أو ميتا ، معاصرا أو من الشخصيات التاريخية القديمة المعروفة ، فحرمة المسلم محفوظة حتى بعد موته ووفاته ، وأسباب تحريم الغيبة قائمة حتى في غيبة الأموات.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" الغيبة أن تذكر مسلما أو ذميا معيَّنًا للسامع ، حيا أو ميتا ، بما يكره أن يذكر به مما هو فيه ، بحضرته أو غيبته " انتهى.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2/25) .
الحالة الثانية :
ألا يكون الشخص المذكور بالسوء معينا لدى السامعين ، ولا معروفا عندهم ، ولم يسبق لهم به علم ولا تمييز ، أو كان شخصية وهمية تذكرها كتب التاريخ والأدب على سبيل التخييل لأغراض أدبية أو قصصية : ففي هذه الحالة لا يحرم ذكر هذا الشخص بسوء ، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة .
واستدل العلماء لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت :
( جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا قَالَتْ الْأُولَى....- فساقت عائشة حديث كل امرأة عن زوجها بما يكره ، حتى كان آخرهن أم زرع التي أثنت على زوجها خيرا ، ثم قالت رضي الله عنها - فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ )
رواه البخاري (5189)، ومسلم (2448) .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
" قال المازري : قال بعضهم : وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة ، لكونهم لا يُعْرفون بأعيانهم أو أسمائهم ، وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم .
قال المازري : وإنما يُحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها وهو مجهول فأقر على ذلك ، وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات ، لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة ، فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث ، فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا ، ويجعله كمن قال : في العالَم مَن يشرب أو يسرق .
قال المازري : وفيما قاله هذا القائل احتمال .
قال القاضي عياض : صدق القائل المذكور ، فإنه إذا كان مجهولا عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة ؛ لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه .
قال : وقد قال إبراهيم : لا
يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه ، أو ينبه عليه بما يفهم به عنه ، وهؤلاء النسوة
مجهولات الأعيان والأزواج ، لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهنَّ بالغيبة لو تعيَّنَّ ،
فكيف مع الجهالة . والله أعلم " .
انتهى من " شرح مسلم " (15/222) .
وجاء في " الآداب الشرعية " لابن مفلح (1/254-255) .
" قال صاحب " المختار " من الحنفية : ولا غيبة إلا لمعلوم ، ولا غيبة لأهل قرية .
وكذا ذكر القاضي عياض وغيره في غير المعين , وخالف فيه بعضهم ، ذكره النووي في حديث أم زرع , والأول مأثور عن إبراهيم , ولم يذكر أصحابنا هذا , والظاهر أنهم لا يريدون هذا ، فظاهر كلام بعضهم إن عرف بعد البحث لم يجز , وإلا جاز ، فليس هذا ببعيد " انتهى.
يقول الخادمي الحنفي :
" دل هذا – يعني كلام
الفقهاء – على شرطية معرفة المخاطب – حتى يكون غيبة – " .
انتهى من " بريقة محمودية " (3/186-187) .
وجاء في " مجمع الأنهر " (2/553) من كتب الحنفية :
" ( ولا غيبة إلا لمعلوم ، فاغتياب أهل قرية ليس بغيبة ) " انتهى.
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (26/15):
" إذا لم توجد قرائن أحوال تعيِّن أو ترجح أصحاب الواقعة فليست بغيبة " انتهى.
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قولهم لا غيبة لمجهول : صحيح بشرط أن يكون هذا المجهول لو بحث عنه لم يعلم به " انتهى.
" شرح الأربعين النووية " ( الشريط الأخير ) ، ونحوه في "ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" " (مسألة رقم/551)
ويقول الشيخ ابن جبرين حفظه الله :
" لا غيبة لمجهول كلام صحيح
، ومعناه : أن يتكلم أحدهم في إنسان لا يعرفونه ، ويذكر بخله وشحه ، وعيوبه وحقده ،
ونقص خلقه ، وشراسته ، ونحوز ذلك ، وكل الحاضرين لا يعرفون من يعنيه ، فقد يكون
مثالًا غير واقعي قصد منه التحذير من هذه الأفعال ، وذمها ، وعيب فاعلها ، فلذلك لا
تسمى هذه غيبة . والله أعلم. " انتهى.
http://www.ibn-jebreen.com/fatwa/vmasal-9638-.html
تعليق