الحمد لله.
أولا :
"التعزير" في اللغة مصدر من الفعل المضعف : عزَّر ، بتشديد الزاي .
قال المرتضى الزبيدي :
" العَزْرُ : اللَّوْمُ ، يُقَال : عَزَرَه يَعْزِرُه ، بالكَسْر ، عَزْراً ، بالفَتح ، وعَزَّرَهُ تَعْزِيراً : لامَهُ ورَدَّهُ " انتهى . " تاج العروس " (13/20) .
ثانيا :
التعزير شرعا : تختلف كلمة أهل الاصطلاح في تعريفه ، على وجوه ، منها ما يلي :
الحنفية :
قال الجرجاني وابن الهمام :
التعزير : هو تأديب دون الحد .
" التعريفات " (ص/55)، " شرح فتح القدير " (5/112)
المالكية :
أما المالكية فلم نر لهم تعريفا للتعزير ، لأنهم لا يعقدون للتعزير بابا ولا فصلا مستقلا ، بل يدرجون أحكامه في أخريات ( باب الشرب ) مع أحكام الصيال والضمان ونحو ذلك .
لكن نستطيع أن نأخذ تعريفهم له من بيانهم لمواضع التعزير على ما ذكره خليل ، وابن عرفة ، فيقال :
التعزير هو التأديب لحق الله أو لآدمي غير موجب للحد .
" جواهر الإكليل " (2/396)
الشافعية :
قال الماوردي ، وعنه نقل النووي :
التعزير : هو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود .
" الأحكام السلطانية " (ص/236)
وقال الرملي :
التعزير : هو التأديب في كل معصية لله أو لآدمي لا حد لها ولا كفارة .
" نهاية المحتاج " (8/16)
الحنابلة :
اختلفت كلمة الحنابلة في حد التعزير على وجوه ، منها : مثل تعريفه لدى الحنفية سواء ، الثاني : تعريف بمطلق التأديب . الثالث : نحو تعريف الماوردي لدى الشافعية . الرابع : تعريف المجد ابن تيمية إذ يقول : التعزير : هو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
فنخلص من هذه التعاريف أن نقول :
إن الفصل الأول من التعريف : وهو التأديب ، محل اتفاق لدى الجميع في التعريف .
والفصل الثاني : وهو قولهم : في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ينبغي أن يكون محل اتفاق أيضا .
فيكون التعريف المتفق عليه أن يقال :
التعزير هو : التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة .
هذه المباحث منقولة باختصار من كتاب " الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " ، للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (459-462) .
ثالثا :
أما في دواعي تنفيذ التعزير ، فننقل فيه هنا ما جاء في " الموسوعة الفقهية " (12/257-258) :
" المعاصي التي شرع فيها التعزير :
المعصية : فعل ما حرم ، وترك ما فرض ، يستوي في ذلك كون العقاب دنيويا أو أخرويا .
أجمع الفقهاء على : أن ترك الواجب أو فعل المحرم معصية فيها التعزير ، إذا لم يكن هناك حد مقدر ، ومثال ترك الواجب عندهم : منع الزكاة ، وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك، وعدم أداء الأمانة ، وعدم رد المغصوب ، وكتم البائع ما يجب عليه بيانه ، كأن يدلس في المبيع عيبا خفيا ونحوه ، والشاهد والمفتي والحاكم يعزرون على ترك الواجب .
ومثال فعل المحرم : سرقة ما لا قطع فيه ، لعدم توافر شروط النصاب أو الحرز مثلا ، وتقبيل الأجنبية ، والخلوة بها ، والغش في الأسواق ، والعمل بالربا ، وشهادة الزور .
وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنه يؤدي لمفسدة ، وحكمه عند كثير من الفقهاء - وعلى الخصوص المالكية - أنه يصير حراما ، بناء على قاعدة سد الذرائع ، وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التعزير ، ما دام ليست له عقوبة مقدرة .
وقد اختلف في تعزير تارك المندوب ، وفاعل المكروه ، ففريق من الفقهاء على عدم جوازه ؛ لعدم التكليف ، ولا تعزير بغير تكليف . وفريق أجازه ، استنادا على فعل عمر رضي الله عنه ، فقد عزر رجلا أضجع شاة لذبحها ، وأخذ يحد شفرته وهي على هذا الوضع ، وهذا الفعل ليس إلا مكروها ، ويأخذ هذا الحكم من يترك المندوب .
وقال القليوبي : قد يشرع التعزير ولا معصية ، كتأديب طفل ، وكافر ، وكمن يكتسب بآلة لهو لا معصية فيها " انتهى باختصار.
والله أعلم .
تعليق