السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

هل يصح حديث (لن يغلب عسر يسرين) ؟

137151

تاريخ النشر : 09-07-2009

المشاهدات : 160384

السؤال

في قوله تعالى : ( إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال الرسول صلى الله عليه وسلم - بما معناه- : ( اصبروا فلا يهزم عسر يسرين )، هل هذا الحديث صحيح ؟ وإن كان ، فما هو نص الحديث الصحيح ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

ورد هذا الحديث من طريقين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ـ فيما نعلم ـ وكلاهما ضعيف .

الأول : من مراسيل الحسن البصري ، ومراسيله ـ كما هو معلوم ـ ضعيفة ، بل من أضعف المراسيل .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

"ضعيف : أخرجه الحاكم (2/ 528) عن إسحاق بن إبراهيم الصنعاني : أنبأ عبد الرزاق : أنبأ معمر ، عن أيوب ، عن الحسن : في قول الله عز وجل : (إن مع العسر يسراً) قال : خرج النبي صلي الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً ، وهو يضحك وهو يقول : (لن يغلب عسر يسرين)

وقال هو والذهبي : مرسل . فعلة الحديث الإرسال .

كذلك أخرجه ابن جرير في "التفسير" (30/ 151) من مرسل الحسن وقتادة ، ولا يقوي أحدهما الآخر ؛ لاحتمال أن يكونا تلقياه من شيخ واحد ، واحتمال أن يكون تابعياً مثلهما ، واحتمال أن يكون ضعيفاً أو مجهولاً ، وهو السبب في عدم الاحتجاج بالحديث المرسل وجعلهم إياه من أقسام الحديث الضعيف ، كما هو مقرر في علم المصطلح " انتهى باختصار.

"السلسلة الضعيفة" (4342) .

الثاني : من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه الزيلعي في " تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف " (4/236) – قال :

" فيه مرفوع آخر رواه ابن مردويه في تفسيره فقال :

حدثنا أحمد بن محمد بن السري ، ثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، ثني أبي ، ثنا يحيى بن محمد بن هانئ ، عن محمد بن إسحاق ، ثني الحسن بن عطية العوفي ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : ( لما نزلت : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابشروا لن يغلب عسر يسرين ) " انتهى.

وهذا إسناد ضعيف بسبب الحسن بن عطية العوفي ، فقد اتفق أهل العلم على تضعيفه . انظر: "تهذيب التهذيب" (2/294) ، ولذلك ضعف الحافظ ابن حجر حديث جابر هذا في "فتح الباري" (8/712) .

ثانيا :

ثبت هذا من كلام بعض الصحابة رضوان الله عليهم ، أصحها ما رواه الحاكم في "المستدرك" (2/329) بسند صحيح ، قال فيه الحاكم : صحيح على شرط مسلم . ووافقه الذهبي في "التلخيص" ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام ، وقد تألب عليه القوم ، فكتب إليه عمر : سلام عليك ، أما بعد : فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا ، ولن يغلب عسر يسرين ، و ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) قال : فكتب إليه أبو عبيدة : سلام عليك . وأما بعد : فإن الله يقول في كتابه : ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ) إلى آخرها . قال : فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة ثم قال : يا أهل المدينة ! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد ) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" قوله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) فالعسر - وإن تكرر مرتين - فتكرر بلفظ المعرفة ، فهو واحد ، واليسر تكرر بلفظ النكرة ، فهو يسران ، فالعسر محفوف بيسرين ، يسر قبله ، ويسر بعده ، فلن يغلب عسر يسرين " انتهى.

" بدائع الفوائد " (2/155) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" قال تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قال ابن عباس عند هذه الآية : (لن يغلب عسر يسرين) قال أهل البلاغة : توجيه كلامه : أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة ، ( فإن مع العسر يسراً ) ، ( إن مع العسر يسرا ) العسر الأول أعيد في الثانية بأل ، فأل هنا للعهد الذكري ، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً ، والقاعدة : أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر ، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ندر ، إذاً : في الآيتين الكريمتين يسران ، وفيهما عسر واحد ؛ لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف .

( فإن مع العسر يسرا ) هذا الكلام خبر من الله عز وجل ، وخبره أكمل الأخبار صدقاً ، ووعده لا يخلف ، فكلما تعسر عليك الأمر فنتظر التيسير " انتهى باختصار. 

" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/80)

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (5/19) طبعة مؤسسة الرسالة وصححه المحققون ، وقال ابن رجب : حسن جيد . " جامع العلوم والحكم " (1/459) .

فينبغي للعبد أن يحسن ظنه بالله ، وأن يقوى يقينه بفرج من عنده سبحانه ، فهو عز وجل عند حسن ظن عبده به ، وأن يبذل أسباب الفرج من الصبر والتقوى وحمد الله على كل حال ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا . ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) الطلاق/4- 5 .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب ، واليسر بالعسر : أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين ، وتعلق قلبه بالله وحده ، وهذا هو حقيقة التوكل على الله ، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج - فإن الله يكفي مَن توكل عليه ، كما قال تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) " انتهى.

" جامع العلوم والحكم " (ص/197) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب