الحمد لله.
أكل الربا من كبائر الذنوب ، ومن الموبقات العظام ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279 .
و(لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) ورواه مسلم (1598) .
ولكن التعامل مع آكل الربا جائز ؛ فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود وهم أكلة الربا ، والمحرم في مال آكل الربا هو الزيادة الربوية فقط ، وباقي ماله – إن كان أصله حلالا – فهو حلال .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الذين غالب أموالهم حرام مثل المكاسين وأكلة الربا وأشباههم . ومثل أصحاب الحرف المحرمة كمصوري الصور والمنجمين ومثل أعوان الولاة . فهل يحل أخذ طعامهم بالمعاملة ؟ أم لا ؟ .
فأجاب :
" الحمد لله ، إذا كان في أموالهم حلال وحرام ففي معاملتهم شبهة ؛ لا يحكم بالتحريم إلا إذا عرف أنه يعطيه ما يحرم إعطاؤه . ولا يحكم بالتحليل إلا إذا عرف أنه أعطاه من الحلال . فإن كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة ، وإن كان الحرام هو الأغلب قيل بحل المعاملة . وقيل : بل هي محرمة .
فأما المعامل بالربا فالغالب على ماله الحلال ؛ إلا أن يعرف الكره من وجه آخر . وذلك أنه إذا باع ألفا بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط .
وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال ؛ بل له أن يأخذ قدر الحلال كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر فإنه يقسم بين الشريكين . وكذلك من اختلط بماله : الحلال والحرام أخرج قدر الحرام والباقي حلال له . والله أعلم " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (29 / 272-273) .
وقد اختار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أن المال المكتسب بطريق حرام كآكل الربا ، والمغنية ، وتاجر المخدرات ، والمرتشي ... إنما يحرم على المكتسب له فقط ، أما من أخذ هذا المال منه بسبب مباح ، كنفقته على أولاده وزوجته ، وهدية وأجرة على عمل ... ونحو ذلك فهو حلال لمن أخذه .
فقال رحمه الله :
"كل شيء اكتسب بالحرام فإنه يكون حراماً ولا ينفع صاحبه الذي اكتسبه ، إن أنفقه لم يبارك له فيه ، وإن تصدق به لم يقبل منه ، وإن خلفه كان زاداً له إلى النار .
أما بالنسبة لمن بذل له ذلك الشيء فإنه لا يكون حراماً عليه ؛ وذلك لأن التحريم كان للكسب لا للعين ، فكل شيء محرم لكسبه يكون حراماً على الكاسب فقط ، وأما من أخذه من هذا الكاسب بطريق حلال فإنه ليس حراماً عليه ، أما ما كان حراماً بعينه [كالمال المسروق والمغصوب] فإنه حرام على الكاسب وعلى غيره " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (13/179)
وقال أيضا :
" لا بأس بقبول الإنسان الزكاة أو التبرعات من البنوك الربوية ؛ لأنه أخذها بحق ، والإثم على البنك إذا كان اكتسبه بربا ، والدليل على هذا : أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَبِل الهدية من اليهود ، وأجاب دعوة اليهود ، ومعلومٌ أن اليهود يأكلون الربا ، ويكسبون الأموال بالسحت .
وكذلك أيضاً : عامَلَ اليهود في خيبر ، أي : أعطاهم من النخل والزرع ، على أن لهم النصف وللمسلمين النصف ، ومعلوم أنهم يكتسبون من الربا .
فلذلك خذ قاعدةً مفيدةً : كل من اكتسب شيئاً بطريق مباح ، فليس عليه إثم من اكتسبه بطريق محرم ؛ لأن هذا محرم لكسبه ، فيكون حراماً على من كسبه بغير حق ، إلاَّ إذا علمت أن هذا المال مال فلان ، مثل : إنسانٌ سارقٌ سرق شاة وأتى بها إليك يهديها لك ، هذا لا يجوز أن تقبلها منه ؛ لأنك تعرف أن هذه الشاة شاة فلان ، لكن ما كان محرماً من أجل الكسب ، فإن مَن أخذه بحق فهو حلال له" انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (140 / 27)
وعلى هذا : فلا بأس من التقدم لخطبة هذه الفتاة ، إذا كانت ذات دين وخلق ، ولا يضرك كون أبيها يضع أمواله بالبنك الربوي ؛ وسيجهز ابنته من ماله ، فإثم هذا المال الحرام على أبيها فقط ، وليس عليها ولا عليك إثم فيه إن شاء الله .
وعليك نصح أبيها ، ونهيه عن هذا المنكر ، وبيان أن الربا ممحوق البركة ، ثم هو حسرة وعار على صاحبه يوم القيامة .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (105827) و (45018) .
والله أعلم
تعليق