الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل للزوج أن يسكن زوجته في بيت أبيه ، أثناء الإجازة ؟

141645

تاريخ النشر : 21-11-2009

المشاهدات : 52473

السؤال

على حد فهمي : فإن للزوجة الحق في أن تطلب العيش في بيت مستقل عن أهل زوجها ، وسؤالي هو : هل هذا الأمر ينطبق حتى على المدة المؤقته ؟ لأنني سأزور أنا وزوجي أهله في الوطن ، وهناك يعيش أبواه في بيت صغير( غرفتين وحمام ) ، وأنا غير معتادة على التزاحم ، بل إنني قد جربت هذا الوضع عندما زرناهم في المرة السابقة ، فلم أرتح ، ولم أجد خصوصيتي ، ونحن بفضل الله قادرون على تحمل تكاليف الجلوس في الفندق ، ولكن زوجي يصر على أن اجلس في بيت أبويه ، فهل له حق في ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

توفير السكن الملائم للحياة الزوجية هو من واجبات الزوجة على زوجها ، ومن حقها أن يكون ذلك السكن مستقلا ؛ لا يشاركها فيه زوجة أخرى ، ولا يسكنها مع أهله أو أقاربه في بيت واحد مشترك المرافق .

قال الشيخ عليش ، المالكي ، رحمه الله :

" ولها ، أي : الزوجة ، الامتناع من أن تسكن مع أقاربه ، أي : الزوج ؛ لتضررها باطلاعهم على أحوالها وما تريد ستره عنهم ، وإن لم يثبت إضرارهم بها " انتهى .

"منح الجليل شرح مختصر خليل " (4/395) . وينظر : " التاج والإكليل" (4/186) .

وقال الكاساني ، الحنفي ، رحمه الله :

" وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسْكِنَهَا مع ضَرَّتِهَا ، أو مع أَحْمَائِهَا كَأُمِّ الزَّوْجِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ من غَيْرِهَا وَأَقَارِبِهِ ، فَأَبَتْ ذلك : عليه أَنْ يُسْكِنَهَا في مَنْزِلٍ مُفْرَدٍ ، لِأَنَّهُنَّ رُبَّمَا يُؤْذِينَهَا ويضررن بها في الْمُسَاكَنَةِ ، وَإِبَاؤُهَا دَلِيلُ الْأَذَى وَالضَّرَرِ . وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُجَامِعَهَا وَيُعَاشِرَهَا في أَيِّ وَقْتٍ يَتَّفِقُ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذلك إذَا كان مَعَهُمَا ثَالِثٌ " انتهى .

"بدائع الصنائع" (4/23) .

وجاء ـ أيضا ـ في "الموسوعة الفقهية" ـ (25/109) ـ :

" الْجَمْعُ بَيْنَ الأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ لاَ يَجُوزُ ، ( وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنَ الأَقَارِبِ ) ؛ وَلِذَلِكَ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الاِمْتِنَاعُ عَنِ السُّكْنَى مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لأِنَّ الاِنْفِرَادَ بِمَسْكَنٍ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا حَقُّهَا ، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ . وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ ، وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْوَالِدَيْنِ ، وَبِجَوَازِ ذَلِكَ مَعَ الزَّوْجَةِ الْوَضِيعَةِ ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالْوَالِدَيْنِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا . " انتهى .

ثانيا :

تستحق الزوجة السكنى والنفقة على زوجها في السفر كما تستحقه في الحضر ، ما دامت قد سافرت بإذن زوجها .

قال الشيخ محمد بن عمر الجاوي الشافعي :

" لا تسقط المؤن بسفرها بإذنه معه ؛ أي : الزوج ، ولو لحاجتها ، أو حاجة أجنبي ، أو سفرها وحدها بإذن لحاجته .. " انتهى .

"نهاية الزين" (1/336) .

ثالثا :

إذا كان من حق الزوجة أن يفردها زوجها بمسكن خاص في الحضر ، فكذلك إذا كان في سفر ، وبقيا فيه مدة : استحقت أن يفردها بمكان مستقل تسكن فيه ، مادام قادرا على ذلك ، فإن عجز لم يلزمه ، وهكذا إن كان نزوله في السفر يسيرا ، لا يقيم فيه إقامة معتادة .

وحاصل ذلك : أنه يراعى في المسكن الذي تحتاجه سواء كان في السفر أو الحضر أمران :

الأول : قدرة الزوج ذلك ، وذلك يختلف باختلاف حاله من حيث اليسار والإعسار .

الثاني : ما تحتاج إليه المرأة في مثل هذه الحال ، وهذا يختلف حضرا وسفرا ، ويختلف أيضا باختلاف الزمان والمكان .

قال الشيخ شمس الدين الرملي الشافعي ، رحمه الله :

" ويحرم أن يجمع ضرتين ، أو زوجة وسرية في مسكن متحد المرافق ، أو بعضها ، كخيمة في حضر ، ولو ليلة أو دونها ... ، أما خيمة السفر فله جمعهما فيها ، لعسر إفراد كل بخيمة ، مع عدم دوام الإقامة . ويؤخذ منه عدم جمعهما في محل واحد من سفينة ، ما لم يتعذر إفراد كل بمحل ، لصغرها مثلا . أما إذا تعدد المسكن وانفرد كل بجميع مرافقه نحو مطبخ وحش وسطح ورحبته وبئر ماء ولاق فلا امتناع لهما " . انتهى ، مختصرا .

"نهاية المحتاج" (6/382) .

وقد نقل ابن عابدين رحمه الله في "حاشيته" تفريق بعض فقهاء الأحناف بين الشريفة الموسرة : فيجب أن يفردها بدار ، ومتوسطة الحال : فيكفيها بيت ـ أي : غرفة ـ من دار . ثم قال :

" ومفهومه أن من كانت من ذوات الإعسار يكفيها بيت ، ولو مع أحمائها وضرتها ، كأكثر الأعراب وأهل القرى وفقراء المدن الذين يسكنون في الأحواش والربوع .

وهذا التفصيل هو الموافق لما مر من أن المسكن يعتبر بقدر حالهما ، ولقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم الطلاق 6 ، وينبغي اعتماده في زماننا هذا ... ؛ إذ لا شك أن المعروف يختلف باختلاف الزمان والمكان . فعلى المفتي أن ينظر إلى حال أهل زمانه وبلده إذ بدون ذلك لا تحصل المعاشرة بالمعروف " انتهى . مختصرا .

"رد المحتار" (3/601-602) .

والخلاصة :

أن على الزوج أن يسكن زوجته في مسكن يلائمها ، ولا تضرر فيه ، أو يشق عليها فيه معاشرة زوجها بالمعروف ، فإن كان قادرا على أن يوفر لها مسكنا آخر ، سوى بيت أبيه : وجب عليه ذلك .

وينبغي على الزوجة أن تراعي حال زوجها ، وعشرته لأهله بالمعروف ، وصلته لرحمه : فإن كان نزولهم في فندق ، أو بيت مستقل : يسبب وحشة مع أهله ، أو قطيعة لرحمه ، فينبغي عليها أن تتحمل شيئا من المشقة مراعاة لحال زوجها ، لا سيما إذا كانت فترة الزيارة يسيرة ، يمكن تحملها بشيء من الكلفة .

ومثل هذه المسائل الاجتماعية تحتاج إلى قدر كبير من التفاهم ، وإيثار كل منكما لصاحبه ، ومراعاته للعشرة بالمعروف ، أكثر من حاجتها إلى معرفة الحقوق والواجبات ؛ فالإحسان إلى العشير شيء ، ومجلس القضاء شيء آخر .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب