الحمد لله.
ليس من شك في أن الكذب من سفاسف الأخلاق ورذائلها ، وهو مفتاح لكل شر ، وأساس واه متهاو لمن أراد أن يبني بيتا ، أو يؤسس أسرة مسلمة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا . وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ) . رواه البخاري (6094) ومسلم (2607) .
غير أن ذلك الخطأ الذي ارتكبه الزوج ليس مسوغا ليس لوحده سببا كافيا لأن تسعى المرأة في هدم بيتها ، وهجران أسرتها بطلب الطلاق أو المخالعة إذا لم يكن ثمة سبب شرعي أو عقلي أو صحي أو اجتماعي مقنع ، وما دام لم يظهر للزوجة من زوجها ما يعيبه في خلقه أو دينه ، أو يخل بالعشرة معه : فقد يكون هناك سبب دعاه إلى الوقوع في هذا الخطأ ، وغاية ما ينبغي معه أن يعرف بخطئه ، وبخطر التجرؤ على تلك الرذيلة .
فإذا استقام مع زوجه ، وصلح في دينه وعشرته ، فلا ينبغي للزوجة أن تتخذ من ذلك معولا تهدم به بيتها ، لا سيما وأنه لا مصلحة لها في موت والديه ، ولا مضرة عليها في حياتهما ، كل ما هنالك أنه لا تلزم بالعيش معهما ، ولا السكن في بيتهما ، وينتهي الأمر.
حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه الترمذي (رقم/1187) وقال : هذا حديث حسن .
قال المناوي رحمه الله :
" والبأس الشدة ؛ أي : في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة ؛ كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له ، أو بأن يضارها لتنخلع منه .
فحرام عليها ؛ أي : ممنوع عنها رائحة الجنة " . انتهى .
"فيض القدير" (3/178) .
فأي بأس قد أصاب هذه المرأة ، وأي شدة نزلت بها من أن يكون والدا زوجها على قيد الحياة ؟!!
بل لو شرطت عليه ألا يكون له أبوان ، فظهر أنها حيان : لم يكن لها أن تفسخ نكاحها لأجل هذا الشرط الغريب !!
قال البهوتي رحمه الله :
" وإن شرطت المرأة صفة غير ذلك المذكور ، من الحرية والنسب ، مما لا يعتبر في الكفاءة ، كالجمال ونحوه ، فبان أقل منها : فلا خيار لها ، لما تقدم . "
[ يعني : ما تقدم من أن ذلك غير معتبر في صحة النكاح ، أشبه ما لو شرطته فقيها ، فبان بخلاف ذلك ] .
"كشاف القناع" (5/102) .
فالنصيحة للزوجة ـ أولا ـ أن تتأنى في طلبها المخالعة ، وأن تمنح الفرصة لزوجها الذي كذب عليها ، وإن كان بدر منه بعض التعدي والتقصير فَلْتَسْعَ في العفو والصفح ، والله عز وجل يحب العافين عن الناس ، وإذا كان العفو بين الزوجين فهو أعظم أجرا وأكبر فضلا .
ثم النصيحة للزوج ـ ثانيا ـ أن يتوب إلى الله من إثم الكذب ، فهو من أعظم الآثام وأشنعها على المؤمن ، ولعل شقاق الزوجة من عاجل عقوبة هذا الإثم الشنيع ، وليعلم كل مسلم أنه إذا كان الكذب ينجي ، فالصدق أنجى وأنجى .
والله أعلم .
تعليق