الحمد لله.
أولا:
يجب على الزوج أن يؤمن لزوجته مسكناً خاصا يسترها عن عيون الناس ، ويحميها من البرد والحر ، وتتمكن فيه من الاستمتاع بزوجها دون أن ينغص أحد متعتها ، ويكفي من ذلك ما يلبي حاجتها كغرفة جيدة الحال ، مع مطبخ وبيت خلاء ، إلا أن تكون الزوجة اشترطت سكناً أكبر من ذلك حال العقد ، وليس له أن يوجب عليها السكن مع أحد من والديه أو أبنائه .
قال ابن قدامة رحمه الله :" ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى أسكنوهن … ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع " انتهى من "المغني" ( 9 / 237 ) .
وقال الكاساني رحمه الله :"ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته ، وبنته من غيرها ، وأقاربها ، فأبت ذلك عليه : فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا … ولكن لو أسكنها في بيت من الدار [ أي في غرفة ] وجعل لهذا البيت غَلَقاً على حدة : كفاها ذلك ، وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر ؛ لأن الضرر بالخوف على المتاع ، وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال " انتهى من "بدائع الصنائع "( 4 / 23 ) .
وقال الحصكفي رحمه الله : " وكذا تجب لها السكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها ، بقدر حالهما ، كطعام وكسوة ، وبيت منفرد من دار له غلق ومرافق ، ومراده لزوم كنيف (أي : بيت خلاء ) ومطبخ ، كفاها لحصول المقصود ".
وعلق ابن عابدين عليه فقال : " قوله : ( وبيت منفرد ) أي ما يبات فيه ; وهو محل منفرد معين ... والظاهر أن المراد بالمنفرد ما كان مختصا بها ، ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار ( قوله له غَلَق ) بالتحريك : ما يغلق ويفتح بالمفتاح ... ( قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ ) أي بيت الخلاء وموضع الطبخ ، بأن يكونا داخل البيت ، أو في الدار لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار " انتهى .
ثانيا :
بناء على ما سبق :
فينظر في طبيعة إقامة أولادك من زوجتك الأخرى معك في هذا المنزل ، ولهذا حالتان :
الحال الأولى :
أن تكون إقامتهم معك إقامة طارئة ، لظروف عارضة تزول في العادة ، كما هو الظاهر من السؤال ، وذلك بأن يكون قصد زوجتك الأولى زيارة والدتها ، أو مساعدتها في بعض شأنها ، ثم تعود إلى العيش مع أولادها ، وفي هذه الحالة لا يحق للزوجة الأخرى أن تعترض على بقاء أولادك من الزوجة الأخرى معك هذه الفترة الطارئة ، خاصة إذا لم كانوا في سن صغيرة ، كما ذكرت ، ولا يمكنهم الاستقلال بالمعيشة حيث كانت تسكن أمهم ؛ وذلك لأنهم في هذه الحال لا يقل شأنهم عن أن يكونوا ضيوفا على أبيهم ، وليس من حق الزوجة أن تمنع زوجها من إنزال ضيفه في منزله ، ما لم يكن عليها ضرر في ذلك . وفي هذه الحال يلزم الوالد أن يعلم أولاده أن للزوجة الأخرى الحق في تصريف شأن بيتها ، وتنظيمه ، وليس مشاركتها في شيء من ذلك ، ولا تغيير شيء منه إلا بإذن الزوجة .
والحال الثانية :
أن تكون إقامتهم معك مستمرة ، أو في غالب أوقاتهم بعد ذلك ، لأن أمهم ستعجز عن الإقامة في منزلها ، وترك والدتها : لم يجز أن تسكنهم مع زوجتك الثانية في هذا المنزل إلا أن ترضى هي ؛ فإن رضيت فلا إشكال ؛ وهكذا ينبغي أن يكون حالها معه ، مراعاة لإحسان العشرة إلى زوجها ، والرفق بأولاده في وقت حاجتهم .
وإن أبت ذلك ، فلها الحق في سكن يخصها وتستقل به ،
ويغلق بابها عليها ، وأقل ذلك : غرفة مع حمام ومطبخ .
فإن أردت إبقاء أولادك معها ، فأجر تعديلا على شقتك بحيث يكون لزوجتك غرفتها
ومرافقها المستقلة ( الحمام والمطبخ) إلا أن ترضى بترك المطبخ مشتركا ، فهذا راجع
إليها .
ومن تأمل ما ذكرناه علم كمال الشريعة وفضلها ، فإن المرأة في بيتها قد تحتاج للتخفف
من ثيابها أثناء عملها ، أو للتزين لزوجها ، ووجود أحد من أبناء زوجها يمنعها من
كمال الراحة والاستمتاع ، فكان لها الحق في رفض ذلك والمطالبة بسكنها الخاص .
والله أعلم .
تعليق