الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

نبذة عن الحجاج بن يوسف الثقفي

144424

تاريخ النشر : 22-02-2010

المشاهدات : 353702

السؤال

هل الحجاج بن يوسف الثقفي مسلم ؟ وما هي إيجابياته وسلبياته للمؤمنين ؟

الجواب

الحمد لله.

كان الحجاج بن يوسف الثقفي والياً على العراق من قِبل عبد الملك بن مروان ، وكان معروفاً بالظلم وسفك الدماء وانتقاص السلف وتعدي حرمات الله بأدنى شبهة ، وقد أطبق أهل العلم بالتاريخ والسير على أنه كان من أشد الناس ظلما ، وأسرعهم للدم الحرام سفكا ، ولم يحفظ حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، ولا وصيته في أهل العلم والفضل والصلاح من أتباع أصحابه ، وكان ناصبيا بغيضا يكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته .

قال ابن كثير رحمه الله :

"كان ناصبيا يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية ، وكان جبارا عنيدا ، مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة .

وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر ، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق في عهدتها ، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه ، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جدا لوجوه ، وربما حرفوا عليه بعض الكلم ، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات" انتهى .

"البداية والنهاية" (9/153) .

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت للحجاج : (أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ).

والمبير : المهلك ، الذي يسرف في إهلاك الناس .

وقد كان الحجاج نشأ شابا لبيبا فصيحا بليغا حافظا للقرآن ، قال بعض السلف : كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة ، وقال أبو عمرو بن العلاء : "ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري ، وكان الحسن أفصح منه" .

وقال عقبة بن عمرو : "ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض ، إلا الحجاج وإياس بن معاوية ، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس" .

البداية والنهاية - (9/138-139) .

قال ابن كثير :

"وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر ، وكان يكثر تلاوة القرآن ، ويتجنب المحارم ، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج ، وإن كان متسرعا في سفك الدماء ،  فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها ، وخفيات الصدور وضمائرها .

وأعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء ، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل ، وقد كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد ، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن ، فكان يعطي على القرآن كثيرا ، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلاثمائة درهم" انتهى .

"البداية والنهاية" (9/153) .

قال ابن كثير :

"وكانت فيه شهامة عظيمة ، وفي سيفه رهق ، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدنى شبهة ، وكان يغضب غضب الملوك" انتهى .

"البداية والنهاية" (9/138) .

وكان فيه سرف وإسراع للباطل ، مع لجاجة في الحقد والحسد .

فعن عاصم بن أبي النجود والأعمش أنهما سمعا الحجاج يقول للناس : "والله ولو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا الباب لحلت لي دماؤكم ، ولا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه ، ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير" .

وقال الأصمعي : قال عبد الملك يوما للحجاج : ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه ، فصف عيب نفسك . فقال : أعفني يا أمير المؤمنين ، فأبى ، فقال : أنا لجوج حقود حسود . فقال عبد الملك : إذاً بينك وبين إبليس نسب .

البداية والنهاية - (9 /149- 153) .

وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى كفره ـ وإن كان أكثر العلماء لم يروا كفره ـ وكان بعض الصحابة كأنس وابن عمر يصلون خلفه ، ولو كانوا يرونه كافراً لم يصلوا خلفه . 

فعن قتادة قال : قيل لسعيد بن جبير : خرجت على الحجاج ؟ قال : إني والله ما خرجت عليه حتى كفر .

وقال الأعمش : اختلفوا في الحجاج فسألوا مجاهدا فقال : تسألون عن الشيخ الكافر.

"البداية والنهاية" (9 /156- 157) .

وقال الشعبي : الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم .

وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام .

وعن عاصم بن أبي النجود قال : ما بقيت لله تعالى حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج .

"تاريخ دمشق" (12 / 185-188) .

وروى الترمذي في سننه (2220) عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ : " أَحْصَوْا مَا قَتَلَ الْحَجَّاجُ صَبْرًا فَبَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ " .

وقال عمر بن عبد العزيز : لو تخابثت الأمم وجئتنا بالحجاج لغلبناهم ، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة .

"تاريخ دمشق" (12/185).

وكان مضيعا للصلوات ، مفرطا فيها ، لا يصليها لوقتها :

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة : بلغني أنك تستن بسنن الحجاج ، فلا تستن بسننه ، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها ، ويأخذ الزكاة من غير حقها ، وكان لما سوى ذلك أضيع " .

"تاريخ دمشق" (12 / 187) .

وقال الذهبي رحمه الله :

" كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء .

وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن .

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين ، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحروب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله .

فنسبه ولا نحبه ، بل نبغضه في الله ؛ فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان .

وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله .

وله توحيد في الجملة ، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء " انتهى .

"سير أعلام النبلاء" (4 / 343) .

وبالجملة : فقد كان الرجل على درجة كبيرة من الظلم والعدوان ، والإسراف على نفسه .

وكانت له حسنات مغمورة في بحر سيئاته ، وكان له جهد لا ينكر في الجهاد وقتال أعداء الله وفتح البلاد ونشر الإسلام .

فالله تعالى حسيبه ، ونبرأ إلى الله تعالى من ظلمه وعدوانه ، ونوالي من عاداهم من سادات المسلمين من الصحابة والتابعين ، ونعاديه فيهم ، ونكل أمره إلى الله تعالى .  

والأولى عدم الانشغال بذكره ، وما أحسن ما روى الإمام أحمد رحمه الله في "الزهد" (ص / 332) عن بلال بن المنذر قال : قال رجل : إن لم أستخرج اليوم من الربيع بن خيثم سيئة لم أستخرجها أبدا بحال . قلت : يا أبا يزيد ! قتل ابن فاطمة عليها السلام – يعني الحسين – قال : فاسترجع ثم تلا هذه الآية : ( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) الزمر/46 .

قال قلت : ما تقول ؟ قال : " ما أقول ؟ إلى الله إيابهم ، وعلى الله حسابهم " .

والله أعلم

وراجع : "وفيات الأعيان" (2/29-46) – "تاريخ دمشق" (12/113-123) – "تاريخ الإسلام" (5/310-316) (6/314-327) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب