الحمد لله.
أولاً:
الأولى والأفضل في السنن الرواتب أن لا تصلى في جماعة ؛ لأن هذا هو الهدي العام عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن إذا صليتها في جماعة فلا حرج إن شاء الله ولا كراهة .
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" التطوعات قسمان :
أحدهما : ما تسن له الجماعة ، وهو صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح.
والثاني : ما يفعل على الانفراد ، وهي قسمان : سنة معينة ، ونافلة مطلقة ، فأما المعينة فتتنوع أنواعاً ; منها السنن الرواتب مع الفرائض " انتهى من " المغني " (1/434).
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هل تجوز صلاة النافلة جماعة ، أو نقول : إن ذلك بدعة ؟
الجواب : في هذا تفصيل :
فمن النوافل ما تشرع له الجماعة ، كصلاة الاستسقاء ، والكسوف ، إذا قلنا : بأن صلاة الكسوف سنة ، وقيام الليل في رمضان .
ومن النوافل ما لا تسن له الجماعة ، كالرواتب التابعة للمكتوبات ، وكصلاة الليل في غير رمضان ، لكن لا بأس أن يصليها جماعة أحيانا .
ودليل ذلك : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي أحيانا جماعة في صلاة الليل ، كما صلى معه ابن عباس ، وصلى معه حذيفة بن اليمان ، وصلى معه عبد الله بن مسعود " انتهى.
" الشرح الممتع " (4/142)
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
" لا تسن فيه – يعني في الرواتب - الجماعة ، لمواظبته صلى الله عليه وسلم على فعله فرادى " انتهى من " مغني المحتاج " (1/450)
ويقول الإمام الرملي رحمه الله :
" أي : لا تسن فيه الجماعة ، ولو صلي جماعة لم يكره " انتهى من" نهاية المحتاج " (2/102)
ثانياً:
فإذا أردت أن تلتحق بجماعة يصلون العشاء أربع ركعات ، وأنت تنوي سنة العشاء الراتبة
البعدية ، فلك في مثل هذه الحال أربعة خيارات :
1- فأفضل هذه الأحوال أن تصلي معه العشاء مرة أخرى ، وتكون الصلاة الأخرى نافلة لك
، يعني : أنها تطوع من جنس الفريضة . ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد (11016) وأبو
داود (574) ، وصححه الألباني ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه ، أَنَّ
رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟! فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ
الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ " .
قال النووي رحمه الله : " وفيه استحباب إعادة الصلاة في جماعة ، لمن صلاها في جماعة
، وإن كانت الثانية أقل من الأولى " انتهى " المجموع " (4/222) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فَهُنَا هَذَا الْمُتَصَدِّقُ قَدْ
أَعَادَ الصَّلَاةَ لِيَحْصُلَ لِذَلِكَ الْمُصَلِّي فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ "
انتهى . "مجموع الفتاوى" (23/261) ، وينظر : "طرح التثريب" ، للعراقي (3/497) .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
" يجوز لمن صلى الفجر جماعة ، ثم رأى رجلا فاتته الصلاة في الجماعة ، أن يصلي معه
ليحصل أخوه على أجر الصلاة جماعة ، وهي نافلة في حقه ، وإن كانت في وقت نهي لأنها
صلاة ذات سبب ... " انتهى . من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/236) .
2- ويجوز أن تصلي معهم الركعات الأربع بنية قيام الليل ، بناء على قول من قال من أهل العلم : إنه يجوز أن تصلى صلاة الليل أربعا متصلة ، لحديث عائشة رضي الله عنها في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل : ( يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا ... ) متفق عليه .
3- ويجوز أيضا أن تصلي ركعتين ، تنوي بهما راتبة العشاء ، فإذا قام الإمام لإتمام صلاته بقيت أنت جالسا تنتظر أن يتم الإمام ركعاته الأربع ، حتى إذا جلس للتشهد والتسليم سلَّمت معه ، ووافقته في بداية الصلاة وفي نهايتها .
4- ولك أيضا أن تصلي ركعتين
، تنوي بهما راتبة العشاء ، فإذا قام الإمام لإتمام فريضة العشاء نويت المفارقة ،
وسلمت قبل تسليم الإمام .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – في مسألة صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء -:
" إذا جلس هل ينوي الانفراد ويسلم ، أو ينتظر الإمام ؟
الجواب : هو مخير ، فإن قال قائل : لماذا تجيزون له الانفراد ، والإمام يجب أن يؤتم
به ؟
فالجواب : لأجل العذر الشرعي ، والانفراد للعذر الشرعي أو الحسي جائز " انتهى من "
الشرح الممتع " (4/261)
والصورة الأولى هي أفضل ما
يفعل في مثل ذلك ، ويليها الصورة الثانية .
وأما الثالثة والرابعة ، فلا ينبغي أن يختارهما المرء في مثل ذلك ، لما فيهما من
المخالفة لصفة صلاة الإمام ، حتى منع منهما بعض أهل العلم .
والله أعلم
تعليق