الحمد لله.
الثابت في الكتاب والسنة أن أصحاب البلاء لهم عند الله الأجر العظيم والمنزلة الكبيرة إن هم صبروا واحتسبوا ، ذلك أن المريض – سواء كان مرضا طارئا أم إعاقة دائمة – يحتمل من الآلام التي كتبها الله عليه ما يكون سببا في تكفير سيئاته ، فالله عز وجل لا يجمع على العبد المؤمن الصابر عذابين في الدنيا والآخرة ، وهو سبحانه يحب الصابرين ، ويوفيهم أجورهم بغير حساب .
وليقرأ معنا كل مبتلى نبذة من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها من البشائر لهم ما يثلج صدورهم بإذن الله .
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا) رواه البخاري (5640) ومسلم (2572) .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ : (مَا مِنْ عَبْدٍ يُصْرَعُ صَرْعَةً مِنْ مَرِضٍ إِلا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْهَا طَاهِرًا) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/97) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2277) .
وإذا كان هذا حال من أصيب بمرض عارض أو ألم طارئ ، فما بالك بالذي ابتلي بإعاقة دائمة تصاحبه إلى مماته ، لا شك أن مَن هذا حاله فهو يتقلب في الأجر والثواب ، وينغمس في رحمة الله عز وجل ، إن هو صبر على ما ابتلاه الله به .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) وقال الألباني في "سنن الترمذي" : حسن صحيح .
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ قَالَ لِلْمَلَكِ : اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ ، فَإِنْ شَفَاهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ) رواه أحمد في " المسند " (21/268) قال الألباني : حسن صحيح .
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من أصيب بإعاقة العمى ، وابتلي في عينيه ، فصبر واحتسب عوضه الله منهما الجنة .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ اللَّهَ قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ - يُرِيدُ عَيْنَيْهِ -) رواه البخاري (5653) .
ولما علم الصالحون حكمة الله تعالى في ابتلاء المؤمنين بالأمراض كان البلاء أحب إليهم من الرخاء ، كي ينالوا المنزلة العالية عند الله .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ – يعني الصالحين - لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ) رواه ابن ماجه (4024)، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (144) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ - لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ - ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود (3090) صححه الألباني في "سنن أبي داود" .
وقال وهب بن منبه رحمه الله : "إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عَدَّه رخاء ، وإذا أصابه رخاء عَدَّه بلاء" انتهى .
"سير أعلام النبلاء" (4/327) .
وقال سفيان الثوري رحمه الله : "ليس بفقيه من لم يعدّ البلاء نعمة والرخاء مصيبة" انتهى .
"حلية الأولياء" (7/55) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
"الآلام والأمراض والمشاقّ من أعظم النعم ، إذ هي أسباب النعم..... فأعظم اللذّات ثمرات الآلام ونتائجها" انتهى .
"شفاء العليل" (525) .
والحاصل : أن الثواب الذي يناله المبتلى بالإعاقة ، والأجر الذي وعده الله إياه ، يرجى له أن يكون سبباً في دخوله الجنة ، لا سيما وقد كفرت عنه خطاياه بسبب تقلبه في آلام البلاء ، ولكننا لم نقف على حديث خاص يدل على أن المبتلى في الدنيا يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب .
والله أعلم .
تعليق