الحمد لله.
أولا :
حكم الشِّعر تابع لحكم الكلام الذي يشتمل عليه ، والقاعدة المشهورة في ذلك ما جاء في مرسل عروة بن الزبير رحمه الله : ( الشعر كالكلام ، فحسنه حسن ، وقبيحه قبيح ) .
فإذا اشتمل الشعر على التشبيب بامرأة معينة لا تحل للشاعر ، أو التهييج على المعصية : فهو شعر محرم .
وإما إذا اشتمل على ذكر الله ، والصلاة على رسول الله ، والحث على مكارم الأخلاق ، ومحاسن السير : فهذا شعر مندوب مستحب .
وأما إذا لم يشتمل على الكلام المكروه أو المندوب ، وإنما اشتمل على المواضيع المباحة : فهو شعر مباح ، وهذا هو الحكم الأصلي فيه ، الإباحة ، كما أن حكم الكلام في الأصل هو الإباحة.
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" ليس في إباحة الشعر خلاف ، وقد قاله الصحابة والعلماء " انتهى.
" المغني " (10/176) ومن أراد التوسع في النقل عن العلماء في حكم الشعر فليرجع إلى "الموسوعة الفقهية " (26/113-117)
ثانيا :
بناء على ما سبق يمكن معرفة حكم التكسب بالشعر ، فإذا كان أصل العمل مباحا جاز التكسب به من حيث الأصل ، ولا ينتقل إلى الحرمة أو الكراهة إلا لعارض .
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن حكم التكسب بالشعر فيه تفصيل :
1- فإذا كان الشاعر يتكسب بالشعر من خلال إرهاب الناس بهجائه ، أو قدحه في أعراضهم، وإنما أعطاه الناس أموالهم درءا لشره وكفا للسانه : فهذه الأموال المتحصلة هي من السحت الحرام .
2- أما إذا كان شعرا مباحا أو مندوبا ، وتحصل الشاعر على بعض المال بسبب شعره : فهذا لا حرج عليه فيه ولا بأس .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ :
( بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ ، إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذُوا الشَّيْطَانَ - أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ - لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ) رواه مسلم (رقم/2259)
قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله :
" إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مع هذا الشاعر لما علم من حاله ، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد اتَّخذ الشعر طريقًا للكسب ، فيفرط في المدح إذا أعطي ، وفي الهجو والذمِّ إذا مُنع ، فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم .
ولا خلاف في أن كل من كان على مثل هذه الحالة فكل ما يكتسبه بالشعر حرام ، وكل ما يقوله حرام عليه من ذلك ، ولا يحل الإصغاء إليه ، بل يجب الإنكار عليه .
فإنَّ لم يمكن ذلك : فمن خاف من لسانه تعيَّن عليه أن يداريه ما استطاع ، ويدافعه بما أمكن ، ولا يحل أن يعطي شيئًا ابتداء ؛ لأنَّ ذلك عون على المعصية ، فإن لم يجد من ذلك بدًّا أعطاه بِنِيَّة وقاية العرض ، فما وقى به المرء عرضَه كُتب له به صدقة " انتهى.
" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (5/528-529)
ويقول أبو عبد الله القرطبي رحمه الله :
" قال ابن حبيب : لا بأس بالإجارة على تعليم الشعر والرسائل وأيام العرب ، ويكره من الشعر ما فيه الخمر والخنا والهجاء " انتهى باختصار.
" الجامع لأحكام القرآن " (1/337)
وجاء في " رد المحتار " (5/272) من كتب الحنفية :
" ( ومن السحت ما يأخذه شاعر لشعر )؛ لأنه إنما يدفع له عادة قطعا للسانه .
فلو كان ممن يؤمن شره فالظاهر أن ما يدفع له حلال ، بدليل دفعه عليه الصلاة والسلام بردته لكعب لمَّا امتدحه بقصيدته المشهورة " انتهى.
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله السؤال الآتي :
هل يجوز التكسب من الشعر ؟
فأجاب :
" إذا كان الشعر مباحاً ، طيباً ، في مصالح المسلمين ، المؤلف يبيعه ويكتسب ، مثل : شعر في الآداب الشرعية ، شعر في الأحكام ، شعر في الصناعة المباحة ، ويبيعها ، فلا بأس ، مثلما تباع الكتب المؤلفة " انتهى.
نقلا عن موقع الشيخ على الرابط الآتي :
http://www.binbaz.org.sa/mat/20638
والله أعلم .
تعليق