الحمد لله.
قد أحسنت الأم غاية الإحسان في رأيها وموقفها في حفظ أولادها ذكوراً وإناثاً من التلوث بأدواء الفساد والاختلاط والعري الموجود – وللأسف – بكثرة في كثير من الدول الإسلامية التي تُقصد للسياحة .
والأولى أن يكون الأب بصفها ويتخذ الموقف نفسه ؛ حتى لا يكون تضاد في العملية التربوية لأولادهم ، وحتى لا يتخذ أولئك الأولاد موقفاً سلبيّاً من والدتهم بتأييد من والدهم .
ويمكن أن يتم إقناع الأولاد بالخطر العظيم الموجود في الدول التي تُقصد للسياحة ، ويُبيَّن لهم أن من الواجبات الشرعية الملقاة على عاتق والديهم : حفظهم من الشر والمكر والكيد والفساد الذي يُدار من دوائر الفساد تجاه الأسرة المسلمة ؛ لتفكيك أوصالها ، ولتشتيت شملها ، بالتجرؤ على سلطة الوالد ، وبالاحتقار للعفاف والمروءة التي تدعو إليها الأمهات الفضليات .
وقد وسَّع الله على المسلمين في بلادهم بأن حباهم أماكن جميلة يمكن للأسرة المحافظة أن تقصدها من غير أن ترى ما يؤذي سمعها وبصرها ، وهي متنوعة ما بين جبال شاهقة ، وأراضٍ خصباء ، وأجواء ذات طقس معتدل .
وعلى رأس ذلك كله : يمكنكم قصد الديار المقدسة في مكة المكرمة ، أو المدينة النبوية ، بكل يسر وسهولة.
ولا ينبغي للأسرة المسلمة أن تجعل السفر جزء من حياتها ، وليُعوَّد الأولاد على استغلال فرص العطلة بالاشتراك في برامج نافعة ، أو دراسة مباحة .
ونحن لا نستطيع أن نحرِّم ما أحل الله ، ولا أن نضيِّق واسعاً على أحد ، لكن كل عاقل يرى ما وصلت إليه أحوال المسلمين في بلدانهم : لا يشك لحظة أن الواجب على القائمين على تربية أولادهم أن يحتاطوا في حفظ الأمانة التي أوكلهم الله بحفظها .
وها نحن نرى الفساد قد وصل إلى البيوت المغلقة الحصينة من خلال المدارس والقنوات والمجلات والجيران والأقرباء ، فكيف مع كل هذا يكون التساهل في الذهاب إلى أماكن المنكر والفساد بأرجلنا وبتمويل من أموالنا ؟! .
وليكن في ضرب الأمثلة للأولاد نصيب في إقناعهم بالعدول عن فكرة السفر لتلك الأماكن في تلك الدول السياحية ، وذلك بذكر وقائع حقيقية لمن رجع بمرض الأيدز ، ومن رجع جثة هامدة بسبب جرعة مخدرات أو شرب خمر ، ومن رجعت وقد فقدت شرفها ، أو تعلقت برجل في تلك الديار فتركت أهلها من أجله ، ومن رجع تاركاً للصلاة ، وهكذا في سلسلة من المنكرات والفساد مما لا يمكن إحصاؤه بسهولة ، ولا يعني رجوع بعض الأسر سالمة من الشر والفساد أن يكون هذا هو الأصل ، لا ، بل هذا من حفظ الله لهم ، وأما هم فقد فعلوا من الأسباب ما يكسبهم به الآثام ويجر عليهم الويلات .
وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ننأى عن الفتن وأماكنها ، وأن لا يغتر الإنسان بما عنده من إيمان ويقين ؛ فإن الفتن الآن والشهوات أقوى من أن يتحداها المسلم الضعيف ، وها هم المتساقطون على الطريق قد كثروا ومنهم من رجع لصوابه فاهتدى ومنهم من ظلَّ على ضلاله فهلك .
عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ).
رواه أبو داود ( 4319 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال ابن الجوزي - رحمه الله - :
واحذر - رحمك الله - أن تتعرض لسبب لبلاء ، فبعيد أن يسلم مقارب الفتنة منها ، وكما أن الحذر مقرون بالنجاة : فالتعرض للفتنة مقرون بالعطَب ، وندر من يسلم من الفتنة مع مقاربتها على أنه لا يسلم من تفكر ، وتصور ، وهمٍّ . " انتهى من " ذم الهوى " ( ص 126 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
" فما استُعين على التخلص من الشرِّ بمثل البُعد عن أسبابه ومظانِّه .
وههنا لطيفة للشيطان لا يتخلص منها إلا حاذق ، وهي : أن يُظهر له في مظانِّ الشرّ بعض شيء من الخير ويدعوه إلى تحصيله فإذا قرب منه : ألقاه في الشبكة " انتهى من " عدة الصابرين " ( ص 50 ) .
وختاماً :
لا بد من التأكيد على ضرورة تأييد الأب لزوجته في موقفها ، وبما أن الأولاد قد رضوا بأن يبقوا عند جدتهم أو أخوالهم فهذا يعني أنهم أهل خير وطاعة ، فيستثمر هذا الأمر فيهم ، ويوجهون إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم في العطل المدرسية .
وقد يكون إصراركم على عدم السفر لتلك البلدان مما يجعلهم يغيرون رأيهم فيقتنعون بالسياحة الداخلية ، وبالذهاب للحرمين ، وهي نعمة لو يعلمون كم من الملايين يتمنونها وتحترق قلوبهم عندما يرون الصلاة تنقل على الهواء مباشرة من هناك : لكان ذلك مما يجعلهم يغيرون نظرتهم وفكرهم حول السفر لتلك البقاع الطاهرة المقدسة .
وأما كلام العلماء في المسألة فينظر في جواب السؤالين : ( 52845 ) ، و ( 82187 ) .
والله أعلم .
تعليق