الحمد لله.
أولا :
كفالة اليتيم من أعظم القربات ، ومن معالم المواساة التي يتسم بها المجتمع المسلم ، ويكفي كافل اليتيم قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ) - وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى . رواه البخاري (6005) .
قَالَ اِبْن بَطَّال : " حَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيث أَنْ يَعْمَل بِهِ لِيَكُونَ رَفِيق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّة , وَلَا مَنْزِلَة فِي الْآخِرَة أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (47061) .
ثانيا :
يجوز لمن كفل يتيما بالنفقة عليه ، والعناية به ، أن يهدي ثواب كفالته لمن شاء من
المسلمين ، حيا كان المهدي إليه أو ميتا ؛ فالدعاء والاستغفار والصدقة يصل نفعها
إلى الميت ، بإجماع أهل العلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فالذي يَنفع الميتَ ويَصِلُ إليه باتفاق العلماء هو الصدقةُ ونحوُها، فإذا
تَصدَّق عن الميت بذلك المال لقومٍ مستحقينَ لوجهِ الله تعالى ولم يَطُلْب منهم
عملا أصلاً كان ذلك نافعًا للميتِ وللحيِّ الذي يَتصدقُ عنه باتفاق العلماء " انتهى
من "جامع المسائل" (4/205) .
وقد سبق ذكر الخلاف في وصول ثواب أعمال البر الأخرى للغير . فينظر جواب السؤال رقم
(157658)، ورقم(103966).
فإذا كان المراد بالكفالة هنا : هو ضمان نفقته ، بحيث يرسلها إلى وليه ، أو القائم
على تربيته : فهذا من باب الصدقة ونحوها ، وقد سبق بيان الاتفاق على وصولها إلى
الحي والميت .
وإذا كان المراد بالكفالة هنا معناها الأوسع ، فيقوم بأمره كما يقوم بأمر ولده كله
، من نفقة ورعاية ونحو ذلك ؛ فالظاهر أن نفعها وثوابها يصل إلى الغير أيضا ، إذا
نوى فاعلها ذلك ؛ فأما على مذهب الحنابلة ومن وافقهم من انتفاع الغير بجميع القربات
: فالأمر واضح .
وأما على من قول من يمنع وصول العبادات البدنية لغير صاحبها : فالظاهر أنها تصله
أيضا ؛ لأن كفالة اليتيم ليست عبادة محضة كالصلاة ونحوها ، بل هي من الأعمال التي
تدخلها النيابة ، ويظهر فيها الجانب المالي في العمل أيضا .
ومع وصول الثواب لذلك الغير إلا أن ذلك ليس مستحباً ،
بل الذي ينبغي أن يحفظ المسلم أجر عمله لنفسه ، ثم يدعو بما شاء لمن شاء من الأحياء
والأموات .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
عَمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ
يَهْدِيَ ثَوَابَهُ لِوَالِدَيْهِ وَلِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ؟ أَوْ يَجْعَلُ
ثَوَابَهُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً؟ .
فَأَجَابَ:
" أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ مَا وَافَقَ هَدْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيَ الصَّحَابَةِ كَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: (خَيْرُ
الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرُّ
الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ
قَدْ مَاتَ؛ فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ.
فَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ، فَالْأَمْرُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ فِي الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ
اللَّهَ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا مِنْ
الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَكَانُوا
يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ
لِأَحْيَائِهِمْ وَأَمْوَاتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ عَلَى الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ
زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ :
عِنْدَ كُلِّ خَتْمَةٍ دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ ، فَإِذَا دَعَا الرَّجُلُ عَقِيبَ
الْخَتْمِ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَانَ هَذَا مِنْ الْجِنْسِ الْمَشْرُوعِ.
وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُ لَهُمْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَاطِنِ
الْإِجَابَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَمَرَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ
الصَّوْمَ، فَالصَّدَقَةُ عَنْ الْمَوْتَى مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ
وَكَذَلِكَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي الصَّوْمِ عَنْهُمْ ...
وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ إذَا صَلَّوْا تَطَوُّعًا
وَصَامُوا وَحَجُّوا أَوْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ يَهْدُونَ ثَوَابَ ذَلِكَ
لِمَوْتَاهُمْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا لِخُصُوصِهِمْ بَلْ كَانَ عَادَتُهُمْ كَمَا
تَقَدَّمَ فَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَعْدِلُوا عَنْ طَرِيقِ السَّلَفِ
فَإِنَّهُ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." انتهى من"مجموع الفتاوى"
(24/331-333) .
والله أعلم .
تعليق