الحمد لله.
إن من علامات توفيق المرء أن يبحث عما ينفعه في دينه ودنياه ، ومن أجل ذلك حرصه على طلب العلم النافع ، وخاصة علم الدين الذي هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، بالقدر الذي يصحح به عقيدته ، وعبادته .
وليس المراد بذلك العلم المفروض أنه يلزمه أن يحضر دروسا في معهد أو مدرسة ، أو حتى مدرسة أو شيخ ، بل المراد أن يحصل ما يحتاجه من العلم الشرعي ، سواء كان ذلك عن طريق المسجد ، أو المدرسة ، أو غير ذلك من الوسائل التي صارت متاحة ، وبسهولة ويسر في كل بيت ؛ من متابعة الفضائيات العلمية الإسلامية الموثوق في أهلها ، أو سماع الأشرطة والمحاضرات عن طريق المواقع الإسلامية في شبكة الإنترنت ، أو غير ذلك من الوسائل ، بحسب ظروف كل إنسان وإمكانياته . ومن ذلك أن يسأل العالم الثقة ، إذا نزل به أمر يحتاج إلى جوابه في دينه .
وهذا هو ما نشير عليك به أيتها السائلة الكريمة ، أنك إذا عجزت عن شيء من أبواب الخير والعلم ، فلا تظني أن الخير والعلم قد صار مستحيلا عليك ، بل إمكانك أن تكيفي وقت تحصيلك العلمي ، بحسب ظروف بيتك وطفلك الذي لا يجوز لك أن تهمليه ؛ وفي الوقت الذي يمكنك فيه ذلك : تستطيعين سماع محاضرة ، أو مشاهدتها مسجلة ، أو قراءة قدر في كتاب ، أو مراجعة شيء مما تحفظينه ؛ وهكذا يكون أمرك ، كما قال الشاعر :
إِذا لَم تَستَطِع شَيئاً فَدَعهُ وَجاوِزهُ إِلى ما تَستَطيعُ
فبإمكانك دائما أن تجدي وسيلة تعينك ، وتحصلي بها القدر المناسب لظروفك ، ولا تحتقري عملا قليلا ، أو فائدة قليلة : " إن الجبال من الحصى " ، وأول الغيث قطر ، ثم ينهمر .
وبإمكانك أن تشغلي المسجل ، أو جهاز الكمبيوتر ، أثناء قيامك بأعمال بيتك ، على محاضرة نافعة ، أو درس علمي ، وحتى لو كان استيعابك له قليلا ، فبإمكانك أن تعيديه مرات ، إلى أن تستوعبي ما فيه ، وهكذا .
وبالنسبة للقرآن : فننصحك ألا تستكثري من حفظ الجديد ، بل اهتمي بمراجعة القديم ، كل يوم ، شيئا فشيئا ؛ حتى إذا استوثقت من حفظك وإتقانك لما معك ، انتقلت إلى سورة جديدة ، على أن يكون محفوظك الجديد قليلا قليلا ، بقدر ما تسمح به ظروفك .
وينظر جواب السؤال رقم (9383) .
واعلمي ـ يا أمة الله ـ أنه بقدر حرصك ، وبقدر جدك ، وبقدر صبرك : يفتح الله عليك من فضله :
( إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتوقَّ الشر يوقه ) .
رواه الدارقطني عن أبي هريرة ، والخطيب وأبي خيثمة عن أبي الدرداء ، وحسنه الألباني .
واعلمي أن الله تعالى أكرم من أن يعرض عمن أقبل عليه ؛ فإذا أقبلت على ربك بصدق ، فإن الله تعالى سوف يقبل عليك وأعظم :
روى البخاري (7405) ومسلم (2657) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي ؛ إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) .
واعلمي ـ أخيرا ـ أنه مهما فاتك من شيء من ذلك ، من علم نافع طلبه مستحب في حقك ، أو عبادة نافلة ، من صيام أو قيام ، وكنت حريصة على ذلك ، لولا العذر ؛ فإن الله تعالى يكرمك بمنه وفضله ، ويعوضك من أبواب الخير والأجر عما فاتك . واعلمي أن لزومك للفرائض ، وحسن قيامك بحق زوجك ، يعوض لك ما فاتك ، إن شاء الله :
روى أحمد (1664) ـ وحسنه الألباني ـ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ؛ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) .
والله أعلم .
تعليق